للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نير الأندلسيين، فبعث إليها حملة بقيادة تاشفين بن يعقوب، فلما وصلت إليها ثار أهل البلد، وطردوا منها جند ابن الأحمر وعماله، ودخلتها فى الحال جند المغرب واستولوا عليها، وذلك فى شهر صفر سنة ٧٠٩ هـ (يوليه ١٣٠٩ م).

واغتبط السلطان لانتهاء هذه المغامرة التى شغلت بنى مرين بضعة أعوام.

وكان سلطان غرناطة الجديد يوم جلوسه فتى فى الثالثة والعشرين من عمره، وكان ولوعاً بالأبهة والمظاهر الملوكية. وكان فى الوقت نفسه أديباً عالماً بارعاً فى الرياضة والفلك، وقد وضع جداول فلكية قيمة. ولكنه لم يحسن السيرة، ولم يوفق فى تدبير الأمور. وسرعان ما سخط عليه الشعب كما سخط على أخيه من قبل. فاضطربت الأحوال، وتوالت الأزمات، وكانت حوادث سبتة نذيراً بتفاقم التوتر بين بلاط غرناطة وبلاط فاس. ومن جهة أخرى فقد ساءت العلائق بين غرناطة وقشتالة، وانتهز القشتاليون كعادتهم فرصة اضطراب الأحوال فى غرناطة، فغزوا أرض المسلمين فى أوائل سنة ٧٠٩ هـ (١٣٠٩ م)، ووضع فرناندو الرابع ملك قشتالة مشروعا جريئاً للاستيلاء على جبل طارق. وكانت الأمداد المغربية قد انقطعت منذ استولى النصارى على طريف، وشغل بنو مرين بالحوادث، والثورات الداخلية، وساءت علائقهم ببنى الأحمر. ورأى فرناندو الرابع أن الفرصة سانحة ليضرب ضربته المفاجئة، فغزا الجزيرة الخضراء، وبعث أسطوله لحصار جبل طارق من البحر، وأوعز فى الوقت نفسه إلى خايمى ملك أراجون أن يحاصر ثغر ألمرية لكى يشغل قوات الأندلس فاستجاب لتحريضه، وذلك بالرغم من معاهدة التحالف والصداقة التى كانت تربطه بسلطان غرناطة. وبدأ حصار ألمرية وجبل طارق فى وقت واحد فى أوائل سنة ٧٠٩ هـ، وبذل النصارى للاستيلاء على ألمرية جهوداً فادحة، ونصبوا على أسوارها الآلات الضخمة، وحفروا فى أسفل السور نفقاً واسعاً لدخولها، فلقيهم المسلمون تحت الأرض وردوهم بخسارة فادحة؛ ونشبت على مقربة من ألمرية معركة بين جند الأندلس بقيادة عثمان بن أبى العلاء وجند أراجون، فهزم النصارى واضطروا إلى رفع الحصار، ونجت ألمرية من خطر السقوط (١). ولكن ثغر جبل طارق كان أسوأ طالعا. فقد شدد النصارى حوله الحصار من البر والبحر، وبالرغم من هزيمتهم أمام المسلمين على مقربة من جبل طارق، فقد لبثوا على حصاره بضعة أشهر حتى


(١) ابن خلدون ج ٧ ص ٢٤٠؛ واللمحة البدرية ص ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>