للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعقدت الهدنة فعلا بين الفريقين. بيد أنه لم يمض قليل على ذلك حتى أغار القشتاليون على بسائط غرناطة وعاثوا فيها، فحشد محمد قواته وغزا ولاية الغرب (١) وخربها، واستولى على حصن أيامونتى (٢)، وعاد مثقلا بالغنائم والسبى. وانتقم النصارى بالعود إلى غزو أراضى غرناطة. وكان هنرى الثالث ملك قشتالة تحدوه نحو مملكة غرناطة أطماع عظيمة، وكان يجدّ فى الأهبة للحرب ويجهز الجيوش والأساطيل، وكان محمد من جانبه يتأهب للدفاع، ويراسل ملوك العدوة لإنجاده، وبعث ملك تونس وأمير تلمسان بالفعل إلى المسلمين نجدة من الوحدات البحرية، ولكنها هزمت ومزقت تجاه جبل طارق. ثم عقد بين الفريقين اتفاق هدنة وتحكيم لتقدير الأضرار لمدة عامين (٦ أكتوبر سنة ١٤٠٦ م) (٣). ولكن هنرى الثالث توفى بعد ذلك بقليل (أواخر سنة ١٤٠٦ م) وخلفه على عرش قشتالة ولده خوان (يوحنا) طفلا تحت وصاية أمه وعمه فرناندو. ولم يحترم الوصىّ الجديد أحكام الهدنة المعقودة، بل عمد إلى تنفيذ مشاريع قشتالة بمنتهى القوة والعزم، فسار إلى غزو أراضى المسلمين، واستولى على حصن الصخرة على مقربة من رندة، واقتحم حصن باغة (٤)، وعاث فى تلك الأنحاء واسترد حصن أيامونتى من المسلمين.

وبادر محمد من جانبه بغزو أراضى قشتالة من ناحية الشرق وعاث فى ولاية جيان، فاضطر فرناندو أن يسير إلى الشرق لإنجاد النصارى، واستمرت المعارك بين الفريقين حينا، ثم انتهت بعقد الهدنة وبينهما لمدة ثمانية أشهر (أوائل سنة ١٤٠٨ م). ولما عاد محمد إلى غرناطة اشتد به المرض ولم يلبث أن توفى وذلك فى سنة ٨١١ هـ (١٤٠٨ م).

على أنه فى الوقت الذى كانت الحرب تضطرم فيه بين غرناطة وقشتالة على هذا النحو بلا انقطاع، كانت غرناطة ترتبط بمملكة أراجون منافسة قشتالة وخصيمتها أحياناً، بصلات المودة والصادقة. ففى ربيع الأول سنة ٨٠٨ هـ الموافق سبتمبر سنة ١٤٠٥ م، عقدت بين السلطان محمد وبين مرتين ملك أراجون وولده مرتين ملك صقلية، معاهدة صداقة وتحالف، توضح لنا نصوصها الدقيقة الشاملة


(١) غربى الأندلس وهى بالإفرنجية Algarve محرفة عن كلمة الغرب.
(٢) أيامونتى Ayamonte مدينة صغيرة تقع على المحيط الأطلنطى، وهى بلد الحدود بين إسبانيا والبرتغال.
(٣) Archivo General de Simancas: P.R. ١١-١، ولدينا صورة فتوغرافية من نصها القشتالى وفى ذيلها توقيع بالعربية لمندوب سلطان غرناطة.
(٤) وهى بالإسبانية Priego.

<<  <  ج: ص:  >  >>