للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قشتالة، آلات تقذف حجارة ومواد ملتهبة يصحبها دوى كالرعد (١). وقد كان استعمال هذه النار أو الأنفاط الفتاكة يتطور بلا ريب مع العصور. ومنذ منتصف القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) نرى مسلمى الأندلس يستعملون لمقاتلة النصارى آلات تقذف اللهب والحجارة، ويصحبها دوىّ مخيف (٢).

وظهرت براعة الأندلسيين فى استعمال هذه الآلات فى عدة مواقع. ففى حصار بياسة فى سنة ٧٢٤ هـ (١٣٢٤ م) فى عهد السلطان أبى الوليد اسماعيل، أطلق المسلمون على المدينة الحديد والنار من آلات قاذفة تشبه المدافع، واستعملت مثل هذه الآلات فى موقعة وادى لكه (ريو سليتو) سنة ١٣٤٠ م (٧٤٠ هـ)، وفى الدفاع عن الجزيرة سنة ١٣٤٢ م (٧٤٢ هـ) وذلك فى عصر السلطان أبى الحجاج يوسف. والظاهر من وصف هذه الآلات أنها كانت نوعاً من المدافع الساذجة التى تُحشى بالحديد والحجارة وبعض المواد الملتهبة، التى كانت فيما مضى عماد الحراقات أو الأنفاط الشرقية. وليس بعيداً أن يكون مسلمو الأندلس قد وقفوا فى هذا العصر أيضاً إلى العثور على سرّ البارود، قبل أن يقف على سره القس الألمانى برتولد شفارتز فى منتصف القرن الرابع عشر (٣). ومن المرجح أن النصارى الإسبان قد نقلوا سر الأنفاط عن مسلمى الأندلس، وحذقوا فى استعمالها مع الزمن. ولما غلب الضعف على مملكة غرناطة تضاءلت أهباتها الدفاعية، ونقصت مواردها من السلاح والذخيرة، خصوصاً بعد أن فقدت معظم قواعدها الصناعية.

بيد أنه من المحقق أن المسلمين كانوا يستعملون الأنفاط أيضاً فى محاربة أعدائهم وإن يك ذلك، نسبة صغيرة تتفق مع ضآلة مواردهم. أما القشتاليون فقد كانت لديهم "الأنفاط" بكثرة، وكانت السلاح المفضل فى مهاجمة القواعد والحصون الإسلامية. وهنالك أيضا ما يدل على أن هذه الأنفاط التى كان يستعملها القشتاليون لم تكن سوى المدفع فى صورته البدائية، فالرواية الغربية تحدثنا عن اهتمام ملك قشتالة بصنع "المدافع" لمحاربة المسلمين، وتقول لنا إن هذه المدافع كانت


(١) راجع كتابى عصر المرابطين والموحدين القسم الثانى ص ٤٩٧.
(٢) راجع كتابى "مواقف حاسمة فى تاريخ الإسلام" الطبعة الرابعة ص ١٢٨ و ١٢٩.
(٣) ولدينا رواية موريسكية هى رواية ابن غانم الموريسكى الأندلسى مؤلف كتاب "العز والمنافع للمجاهدين بالمدافع"، الذى سوف يأتى ذكره فى موضعه: وهو يقول لنا إن اختراع البارود وقع فى سنة ٧٦٨ هـ (١٣٦٦ م)، ومن الواضح أن هذا التاريخ المتأخر لا يتفق مع ما قدمناه من شواهد وحوادث تاريخية تدل على أن البارود قد اخترع قبل ذلك بنحو نصف قرن

<<  <  ج: ص:  >  >>