للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يكن يدين بطاعته، وكان يبدى فى مقاومته عزماً لا يلين ولا يخبو، ولأنه من جهة أخرى كان يرتبط بأمير غرناطة بصلح يمتد إلى عامين، وقد أراد أن يسبغ على عهوده مسحة غادرة من الوفاء، وأخيراً لأنه كان يريد أن يعزل غرناطة وأن يطوّقها من كل صوب، قبل أن يسدد إليها الضربة الأخيرة.

وقد رأينا كيف سقطت قاعدة بَلِّش حصن مالقة من الشرق فى يد النصارى، بعد دفاع عنيف، فى جمادى الأولى سنة ٨٩٢ هـ (مايو ١٤٨٧ م). وعلى أثر سقوطها غادرها معظم أهلها، وتفرقوا فى أنحاء الأندلس الأخرى الباقية بيد المسلمين، وجاز كثير منهم إلى عدوة المغرب، واستولى النصارى على جميع الحصون والقرى المجاورة ومنها حصن قمارش وحصن مونتميور، واستطاعوا بذلك أن يشرفوا على مالقة من كل صوب. وكانت مالقة ما تزال أمنع ثغور الأندلس، وقد أضحت بعد سقوط جبل طارق عقد صلتها الأخيرة بعدوة المغرب، وكان فرناندو يحرص على أن يقطع كل وسيلة ناجعة لقدوم الأمداد من إفريقية وقت الصراع الأخير. وكان الاستيلاء على مالقة يحقق هذه الغاية. ومن ثم فإنه ما كاد النصارى يظفرون بالاستيلاء على بلش والحصون المجاورة، حتى زحفوا على مالقة وطوقوها من البر والبحر بقوات كثيفة، وذلك فى جمادى الثانية سنة ٨٩٢ هـ (يونيه ١٤٨٧ م) وامتنع المسلمون داخل مدينتهم، وكانت تموج بالمدافعين وعلى رأسهم نخبة مختارة من أكابر الفرسان، ومعهم بعض الأنفاط والعدد الثقيلة. وكانت مالقة تدين بالطاعة للأمير محمد بن سعد (الزغل) صاحب وادى آش، ولكنه لم يستطع أن يسير إلى إنجادها بقواته خوفاً من غدر ابن أخيه أمير غرناطة، فترك مالقة إلى مصيرها وهو يذوب تحسراً وأسى. ولكنه فكّر فى وسيلة أخيرة لعلها تجدى فى إنقاذ الأندلس من خطر الفناء الداهم، هى أن تستغيث بملوك الإسلام لآخر مرة، فأرسل رسلا إلى أمراء إفريقية وإلى سلطان مصر الأشرف قايتباى. ولم يكن من المنتظر إزاء بعد المسافة أن تصبر مالقة على ضغط النصارى حتى يأتيها المدد المنشود، وكان يتولى الدفاع عن الثغر المحصور جند غمارة وزعيمهم حامد الثغرى. وأبدى المسلمون فى الدفاع عن ثغرهم أروع ضروب البسالة والجلد، وحاولوا غير مرة تحطيم الحصار المضروب عليهم، وفتكوا بالنصارى فى بضع مواقع محلية، ومع ذلك فقد ثابر النصارى على ضغطهم وتشديد نطاقهم، حتى قطعت كل علاقة للمدينة المحصورة مع الخارج، ومنعت عنها سائر الأمداد والأقوات، وعانى المسلمون

<<  <  ج: ص:  >  >>