للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبى فارس الملقب بالواثق بالله، ومولاى زيدان. وكان أعيان فاس وعلماؤها، قد بايعوا عقب وفاة المنصور، لولده زيدان، وبايع أهل مراكش لولده أبى فارس ولكن معركة نشبت بين زيدان وأخيه الشيخ، انتهت بهزيمة زيدان، واستيلاء الشيخ على فاس. ثم نشبت بعد ذلك بين الأبناء الثلاثة سلسلة من المعارك الأهلية المتوالية، كانت سجالا بينهم، وهزم خلالها مولاى زيدان غير مرة، ودخل العاصمة مراكش غير مرة. واستمرت هذه الحرب الأهلية، بضع سنوات (١٠١٢ - ١٠١٦ هـ)، وانتهت آخر الأمر، بانتصار مولاى زيدان واستيلائه على الملك، ومقتل أخيه أبى فارس، وفرار الشيخ فى أهله وولده. ولكن الشيخ لم يستكن للهزيمة، بل فكر فى الاستنصار بالإسبان، فعبر البحر مع أسرته وأمه الخيزران إلى اسبانيا، واستغاث بملكها فيليب الثالث، وتعهد بأن يقدم ثغر العرائش إلى اسبانيا نظير معاونته على استرداد عرشه. وكان ذلك فى أوائل سنة ١٦٠٨ (١٠١٧ هـ) (١). وهنا أرسل الموريسكيون فى بلنسية، رسلهم إلى مولاى زيدان، يوضحون له سهولة غزو اسبانيا ومحاربتها، وأنهم على استعداد لأن يقدموا له مائتى ألف مقاتل، متى أقدم على الغزو واحتلال أحد الثغور الإسبانية الهامة؛ ولكن السلطان زيدان لم يحفل بهذا العرض، وأجاب الرسل بأنه لن يحارب خارج بلاده (٢). واستجاب فيليب الثالث لدعوة الشيخ، وأرسل معه بعض قواته وسفنه إلى شاطىء المغرب، فنزل الشيخ وحلفاؤه الإسبان أولا فى حجر باديس، غربى مليلة وذلك فى رمضان سنة ١٠١٩ هـ (أوائل سنة ١٦١٠ م)، ثم انتقل فى صحبه إلى قصر عبد الكريم (القصر الكبير)، وبعث سرية من رجاله، فقامت بإخلاء العرائش من أهلها المسلمين قسرا، وبعد مقاومة عنيفة، وسلمتها إلى الإسبان، تحقيقاً لتعهد الشيخ. وحاول الشيخ أن يعتذر عن تصرفه بأن الإسبان، احتجزوا أهله وولده، وأنه فعل ذلك فى سبيل افتدائهم، واستصدر فتوى بشرعية تصرفه من بعض العلماء، ولكن ذلك لم يغنه شيئاً، واشتد السخط عليه، وانفض عنه كثير من أنصاره. ثم سار الشيخ فى قواته إلى تطاون (تيطوان)، وأخذ يعيث فسادا فى تلك المنطقة، ومازال فى


(١) كتاب نزهة الحادى بأخبار ملوك القرن الحادى لأبى عبد الله اليفرنى (طبع فاس) ص ١٦٢ - ١٦٧، وراجع الإستقصاء ج ٣ ص ١٠٢.
(٢) Dr. Lea: The Moriscos ; p. ٢٨٩-٢٩٠

<<  <  ج: ص:  >  >>