للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو أكثر من ذلك، هلكوا من المرض أو نتيجة الاعتداء، ومن ثم فإن كثيرين منهم عادوا إلى اسبانيا، والتمسوا إلى السلطات أن يبقوا نصارى وأن يكونوا عبيداً. وقد ألفى هؤلاء بعض الأسر التى قبلت استرقاقهم، واعترض على ذلك رجال الدين، وصدرت الأوامر برفض نزولهم إلى الشواطىء الإسبانية، ولكن كثيرين تسربوا إلى أنحاء بلنسية وغيرها، وبقوا فى اسبانيا رغم جميع الجهود التى بذلت لإخراجهم (١).

وقد اختلف المؤرخون أيما اختلاف، فى تقدير عدد الموريسكيين الذين أخرجوا من اسبانيا تطبيقاً لقرار النفى، ويقول ناباريتى وهو من أعظم مؤرخى اسبانيا، إنه قد نفى من اسبانيا فى مختلف العصور، نحو مليونين من اليهود، وثلاثة ملايين من الموريسكيين. ويقدر آخرون المنفيين من الموريسكيين بأربعمائة ألف أو تسعمائة ألف، ويقدرهم دون لورنتى مؤرخ "ديوان التحقيق" بمليون، ويقدرهم المستشرق فون هامار بثلاثمائة ألف وعشرة آلاف. وفى الرواية العربية الموريسكية التى نثبتها فيما بعد، يقدر عدد المنفيين الموريسكيين بستمائة ألف، ونحن نميل إلى الاعتقاد بأن عدد من نفى من الموريسكيين لا يمكن أن يتجاوز هذا القدر، وقد كان مجموعهم فى أواخر القرن السادس عشر لا يتجاوز ستمائة ألف حسبما قدمنا. ويقدر من هلك من الموريسكيين أو استرق منهم أثناء مأساة النفى بنحو مائة ألف نفس (٢).

وقد عاد معظم الموريسكيين، الذين نفوا إلى إفريقية والمشرق، إلى الإسلام دين الآباء والأجداد، ولم تخمد مائة عام من التنصير المغصوب، والإرهاق المستمر جذوة الإسلام فى نفوسهم، وقد لبث على كر العصور متغلغلا فى أعماق سرائرهم.

وبذلك ينتهى الفصل الأخير من مأساة الموريسكيين أو العرب المتنصرين، وتطوى إلى الأبد صفحة شعب، من أنبل وأمجد شعوب التاريخ، وحضارة من أزهر الحضارات.

- ٣ -

وتقدم إلينا الرواية الغربية، تفاصيل ضافية عن مأساة الموريسكيين، منذ بدايتها إلى نهايتها، وتخصها بكثير من التعليق والنقد. ولكن الرواية الإسلامية مقلة فى هذا الموطن، شأنها فى تاريخ الأندلس منذ سقوط غرناطة، فهى لا تعنى بتتبع


(١) Lea: The Moriscos: p. ٣٦٣ & ٣٦٤. وراجع نفح الطيب ج ٢ ص ٦١٧.
(٢) راجع: Lea: The Moriscos ; p. ٢٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>