للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وله مقامات بديعة فى أغراض شتى. وكان كثير الوفود على غرناطة والتردد على بلاطها. وقد عاش الرندى فى عصر الفتنة الكبرى التى اضطرمت بها الأندلس فى أواسط القرن السابع الهجرى، والتى تمخضت عن قيام مملكة غرناطة وسقوط معظم القواعد الاندلسية الكبرى فى يد النصارى، وقال فى المحنة مرثيته الشهيرة التى أتينا على ذكرها فى موضعها، والتى خلدت ذكره إلى يومنا. وقد وهم المقرى فاعتقد أنه قد عاش فى أواخر القرن التاسع الهجرى، أو عصر سقوط الأندلس النهائى (١). ومن شعره فى الغزل والتصوف:

سلم على الحى بذات العرار ... وحى من أجل الحبيب الديار

وخل من لام على حبهم ... فما على العشاق فى الذل عار

ولا تقصر فى اغتنام المنى ... فما ليالى الأنس إلا قصار

وإنما العيش لمن رامه ... نفس تدارى وكؤوس تدار

وروحه الراح وريحانه ... فى طيبه بالوصل أو بالعقار (٢)

لا صبر للشىء على ضده ... والخمر والهم كماء ونار

وكان الرندى من خاصة المقربين إلى الساطان محمد بن الأحمر، وكان يطرب لشعره، ومن أشهر قصائده فى مدح السلطان قصيدته التى مطلعها:

سرى والحب أمر لا يرام ... وقد أغرى به الشئون والغرام

وكتب الرندى برسم السلطان كتاباً فى التاريخ سماه "روض الأنس ونزهة النفس". ونثره لا يقل روعة عن شعره (٣).

...

وظهر فى تلك الفترة أيضاً جماعة من أقطاب اللغة، مثل على بن محمد بن خروف الإشبيلى المتوفى سنة ٦٠٩ هـ (١٢١٢ م)، وقد طاف بقواعد الأندلس والمغرب، وذاع صيته، ووضع شرحاً لكتاب سيبويه (٤)؛ وعمر بن محمد الأزدى الإشبيلى


(١) راجع أزهار الرياض ج ١ ص ٤٧، ونفح الطيب ج ٢ ص ٥٩٥.
(٢) تراجع القصيدة بأكملها فى نفح الطيب ج ٢ ص ٥٩٥ و ٥٩٦.
(٣) نقلنا ملخص ترجمة صالح بن شريف عن مخطوط "الإحاطة فى تاريخ غرناطة" المحفوظ بالإسكوريال. واطلعنا فى المغرب على نسخة مخطوطة من تاريخه المذكور، وهو مجلد كبير فى تاريخ الإسلام والخلفاء الراشدين والدولتين الأموية والعباسية.
(٤) راجع ترجمته فى صلة الصلة ص ١٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>