للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بروعة رسائله السلطانية، وبراعته فى الإدارة والحكم (١).

ويصف لنا الأمير أبو الوليد اسماعيل بن الأحمر، معاصر ابن الخطيب، خلاله ومواهبه "فى كتابه نثير الجمان" فى تلك العبارات الرنانة:

"هو شاعر الدنيا، وعلم الفرد والثنيا، وكاتب الأرض إلى يوم العرض، لا يدافع مدحه فى الكتب، ولا يمنح فيه إلى العتب، آخر من تقدم فى الماضى، وهو نفيس العدوتين، ورئيس الدولتين، بالاطلاع على العلوم العقلية، والإمتاع بالفهوم النقلية " ثم يشير بعد ذلك إلى قسوته فى الهجاء، وإلى كونه قد هجا ابن عمه سلطان الأندلس بما لا يليق ويجمل (٢).

وتجول ابن الخطيب حيناً بالمغرب، واستقر بسلا، وتوالت مدائحه للسلطان أبى سالم، ومنها قصيدة طويلة يهنىء فيها السلطان بفتح تلمسان (٧٦١ هـ) هذا مطلعها:

أطاع لسانى فى مديحك إحسانى ... وقد لهجت نفسى بفتح تلمسان

فأطلعتها تفتر عن شنب المنى ... وتسفر عن وجه من السعد حيانى

كما ابتسم النوار عن أدمع الحيا ... وجف بخد الورد عارض نيسان

كما صفقت ريح الشمال شمولها ... فبان ارتياح السكر فى غصن البان (٣)

وبعث إلى السلطان فى الوقت نفسه من سلا، برسالة بليغة يهنئه فيها بذلك الفتح الكبير (٤).

أنفق ابن الخطيب ومليكه فى المنفى زهاء عامين ونصف، حتى مهدت حوادث الأندلس لسقوط المغتصب، واستطاع الغنى بالله بمعاونة الوزير عمر المتغلب على المغرب، أن يسترد ملكه، وذلك فى جمادى الآخرة سنة ٧٦٣ هـ (١٣٦١ م)، ورد السلطان وزيره ابن الخطيب إلى سابق مكانته فى الوزارة، ولكنه لم ينعم تلك المرة بسابق حظوته ونفوذه، إذ كان ينافسه فى السلطة شيخ الغزاة عثمان بن يحيى، الذى قربه السلطان وأولاده عطفه، لما قام به


(١) كتاب العبر ج ٧ ص ٣٣٢ وما بعدها.
(٢) راجع نفح الطيب ج ٣ ص ٣٣٤، حيث ينقل تلك الفقرات. وتوجد من كتاب "نثير الجمان" نسخة خطية وحيدة بدار الكتب المصرية تحفظ برقم ١٨٦٣ آداب.
(٣) وردت هذه القصيدة بأكملها فى نفح الطيب ج ٣ ص ١٦ - ١٩؛ وفى بعض أجزائها ينحو
ابن الخطيب نحو أبى البقاء فى مرثيته الأندلسية.
(٤) وردت هذه الرسالة فى نفح الطيب ج ٣ ص ١٩ و ٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>