للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ يقود الدهر أشتات المُنى ... ينقل الخطو على ما يَرْسمُ

زُمراً بين فرادى وثُنا ... مثل ما يدعو الوفودَ الموسمُ

والحيا قد جَلَّل الروض سَنا ... فثغور الزهر منه تبسم (١).

- ٣ -

كان ابن الخطيب قطب الشعر والنثر فى عصره، وكان محور الحركة الفكرية الأندلسية كلها، فى أواسط القرن الثامن الهجرى، تجتمع إليه وتلتف حوله؛ وقد أتينا على ذكر بعض أكابر الشعراء من معاصريه، المتقدمين عنه، مثل ابن الجياب وابن سلبطور وابن خاتمة. وسنأتى هنا على ذكر أقطاب الشعر والأدب من معاصريه المتأخرين عنه. بيد أنه يجب أن نلاحظ أن عبقرية ابن الخطيب الأدبية، قد طبعت هذه المرحلة كلها، من تاريخ الحركة الفكرية الأندلسية، بطابعها القوى، وبعثت إليها كثيراً من أسباب القوة والروعة، حتى ليسوغ لنا أن نقول إن مدرسة ابن الخطيب الأدبية، امتدت منذ عصره إلى أواخر القرن الثامن، وأوائل القرن التاسع الهجرى.

بل يلوح لنا أن الأثر القوى الذى بثته هذه المدرسة الأدبية الباهرة، لم يقتصر على مملكة غرناطة، بل تعدى حدود الأندلس المسلمة إلى قواعد الأندلس الذاهبة، التى دخلت فى حوزة النصارى وتدجن أهلها، فبدا بها شعاع ضئيل من النبوغ الأدبى القديم، وظهر فيها بعض الشعراء الموهوبين، بالرغم من مضى أكثر من قرن على خضوعها لحكم اسبانيا النصرانية. فمثلا نجد بين كتاب بلنسية وشعرائها يومئذ، الفقيه أبا جعفر بن عبد الملك العذرى، ومما كتبه لابن الخطيب فى بعض الشئون:

إنى بمجدك لم أزل مستيقناً ... أن لا يهدم بالتغير ما بنى

إذ أنت أعظم ماجد يعزى له ... صنع وأكرم من عفا عمن جنى

وكتب له أيضاً:

إن كان دهر قد أساء وجارا ... فذمام مجدك لا يضيع جارا

فلأنت أعظم ملجأ ينجى إذا ... ما الدهر أنجد مُوعداً وأغارا (٢)


(١) راجع هذه الموشحة بأكملها فى نفح الطيب ج ٤ ص ١٩٨ وما بعدها.
(٢) راجع نفح الطيب ج ٣ ص ٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>