للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ازدهارها فى عصر مبكر جداً منذ أواخر القرن الثانى للهجرة، فى ظل الدولة العباسية الفتية. وكان أول من كتب عن الموسيقى من المسلمين، الكندى والفارابى، وقد ترجمت كتبهما إلى اللاتينية منذ القرن الحادى عشر الميلادى. ويبدو أثر الموسيقى الشرقية واضحاً فى الكتابات الموسيقية اللاتينية؛ وفضلا عن الكتابة، فقد كانت الطرائق والمعارف الموسيقية المشرقية تنقل إلى الغرب عن طريق السماع والاتصال الشخصى؛ وينطبق ذلك بنوع خاص على اسبانيا المسلمة، حيث ازدهرت الموسيقى، وتنوعت طرائقها منذ القرن التاسع الميلادى. وكانت الأندلس قد تلقت منذ أوائل هذا القرن قبساً من النهضة الموسيقية المشرقية، فنزح زرياب الموسيقىّ غلام الموصليين (١) أساطين الموسيقى والغناء لهذا العهد، إلى الأندلس فى عصر عبد الرحمن بن الحكم (أوائل القرن الثالث)، فاستقبله بنفسه وبالغ فى إكرامه، وأغدق عليه العطف والبذل. وكان زرياب موسيقياً عظيما ومغنياً ساحراً، فذاع فنه فى الأندلس والمغرب، وأنشأ بالأندلس مدرسة موسيقية وغنائية باهرة، استطال نشاطها وأثرها حتى عصر الطوائف، وازدهرت أيام الطوائف فى إشبيلية فى ظل بنى عباد بنوع خاص (٢). وسطع فى مملكة غرناطة قبس من هذه النهضة، وظهر أثر الموسيقى الأندلسية فى تطور الموسيقى والغناء، فى قشتالة وغيرها من أنحاء اسبانيا فى عصر مبكر، ثم انتقل هذا الأثر إلى أوربا، واشتهرت الموسيقى الأندلسية فى غرب أوربا فى العصور الوسطى، وكان لها أثرها فى تطور الموسيقى الغربية. ويقول لنا الأستاذ مورينو إن الأغانى الأصلية للموسيقى الحديثة، كانت اقتباساً أندلسياً، وانها كانت فى الأصل تكتب بلغة "الرومانش" اللاتينية التى كانت تغلب فى اللهجة الشعبية الأندلسية، ومع أنه لم يبق لنا حتى اليوم شىء من هذا الشعر الرومانشى، فإن آثاره تكثر فى أزجال شاعر قرطبى هو "ابن قزمان" (٣). وبرع المسلمون فى العزف على كثير من الآلات الموسيقية المعروفة حتى اليوم، واخترعوا الكثير منها ولاسيما "القيثارة" التى كانوا يعتبرونها أجمل الآلات الموسيقية. وكان للموسيقى الأندلسية أثر كبير فى تطور الموسيقى الإسبانية القديمة، وما يزال كثير من الأوضاع


(١) ابراهيم الموصلى وولده إسحاق وولده حماد.
(٢) ابن خلدون، المقدمة ص ٣٥٧؛ ونفح الطيب ج ٢ ص ١٠٩ وما بعدها.
(٣) M. Gomez-Moreno: Arquitectura (Nov. ١٩١٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>