للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن حفصون شريكاً في حكمها، ولكن لم تمض بضعة أشهر، حتى نكث ابن حفصون العهد وطرد عامل الأمير، وأغار على البلاد المجاورة، واستولى على أرشدونة، وعاث فساداً في تلك المنطقة، فسار إليه الأمير عبد الله في سنة ٢٧٦ هـ (٨٨٩ م) واجتاح منطقة ببشتر وخربها، ولكنه لم ينل من الثائر مأرباً؛ ولما ارتد إلى قرطبة خرج ابن حفصون في أثره، وتوغل حتى إستجة واستولى عليها، فبعث إليه عبد الله الجند فردته عنها.

ولبثت الثورة على اضطرامها في الجنوب. وخرج خير بن شاكر في جيّان، وطرد منها عامل الأمير واستولى عليها، فسارت إليه جند الأندلس بقيادة أحمد ابن محمد بن أبي عبدة، وحاصرته وقتلت كثيراً من أصحابه، وخربت معظم دور جيان، ثم عادت دون إخضاعه. وهنا بعث ابن حفصون جماعة من أصحابه إلى جيان بحجة معاونة ابن شاكر، ولكنهم فتكوا به وحملوا رأسه إلى ابن حفصون، فبعث بها إلى الأمير عبد الله سعياً إلى مصانعته ومطاولته (١). ولكن الأمير لم يخدع بسعيه. وسار ابن حفصون إلى جيان فعاث فيها وانتهب أموالها، وأذل أهلها، وساد الذعر والفوضى في تلك الأنحاء.

ودفع ابن حفصون غاراته شمالا حتى أحواز قرطبة، وبلغ من جرأته أن حاول إحراق مخيم الأمير في ضاحية شَقُندة على مقربة من العاصمة. فعندئذ عول الأمير عبد الله على أن يخرج لقتاله مرة أخرى، فحشد ما استطاع من قواته، واتجه نحو الجنوب إلى ناحية قبرة Cabra حيث حشد الثائر قواته في معقل بلاي أو " بَلِيّ " (بولي) (٢)، وكان حصن بلاي من أمنع حصون قبرة الواقعة على مقربة من جنوب شرقي قرطبة. وقد افتن ابن حفصون في تقويته وتحصينه، وجعله مركزاً للسيطرة على كورة قبرة كلها، والإغارة على المدن والحصون القريبة من قرطبة، وتهديد أطراف العاصمة ذاتها. وكانت قوات الثوار تبلغ زهاء ثلاثين ألفاً، ولا تعدو قوات الأندلس ثمانية عشر ألفاً، بل أربعة عشر ألفاً على قول


(١) ابن حيان في المقتبس ص ٩٢ و٩٣.
(٢) هي بالإسبانية Poley أو Polei، وما يزال موقعها قائما معروفاً إلى اليوم تحتله قرية أجيلار Aguilar الحديثة الواقعة جنوبي قرطبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>