للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوق فروسيته شاعراً جزلاً فصيحاً يأسر الجموع بذلاقته. ولكن رياسته لم تطل سوى نحو عام، إذ قتل في كمين دبره له خصمه القديم جعد والي إلبيرة، وحفص بن المرة قائد ابن حفصون. فقد خرج سوار ذات يوم من غرناطة إلى بعض غاراته في نفر قليل من أصحابه، وكان حفص قد رتب قواته في أماكن مستورة على مقربة من المدينة، فانقضت على سوار وفتكت به وبأصحابه ومثل بجثته. فخلفه في رياسة العرب سعيد بن سليمان بن جودى السعدى زعيم قبيلة هوازن، وكان مثل صديقه سوار بطلاً شجاعاً وفارساً مجرباً، وشاعراً أديباً، وخطيباً مفوهاً، قد تفقه مع فروسيته في فنون العلم والأدب (١)، فالتفت حوله القبائل، واشتدت وطأته على المولدين وزعيمهم ابن حفصون وهزمه مراراً، وأسره ابن حفصون في بعض الوقائع ثم أطلقه لقاء فدية كبيرة. ولما رأى الأمير عبد الله غلبة العرب على كورة إلبيرة، أقر سعيداً على ولايتها فحكمها باسم الأمير، واستمرت زعامته بضعة أعوام حتى قتل غيلة في دار عشيقته اليهودية، وذلك في أواخر سنة ٢٨٤ هـ (٨٩٧ م)، ويقال إنه قتل بتدبير الأمير عبد الله، وكان من أهم أسباب قتله أبيات من الشعر قالها في ذم بني أمية جاء فيها:

يا بني مروان جدوا في الهرب ... نجم الثائر من وادي القصب

يا بني مروان خلوا ملكنا ... إنما الملك لأبناء العرب

ولسعيد بن جودى شعر كثير، وقد أورد لنا ابن الأبار بعض قصائده، وهي تنم عن مقدرته وقوة شاعريته (٢).

ولما قتل سعيد بن جودى، قام بأمر العرب من بعده في كورة إلبيرة، محمد ابن أضحى الهمذاني صاحب حصن الحامّة (الحمة)، وأقره الأمير عبد الله على رياسته، ونشبت بينه وبين ابن حفصون وقائع عديدة كانت سجالاً بينهما؛ ولبث سعيد على رياسته لتلك المنطقة، حتى قضى عليها الناصر في بداية عهده، واستولى على الحامة وغيرها من النواحي الثائرة في تلك المنطقة (٣).


(١) المقتبس ص ٦٠ و٦١.
(٢) راجع في أخبار سوار بن حمدون وسعيد بن جودى، ابن الأبار في " الحلة السيراء " (ليدن) ص ٨٠ - ٨٧؛ والبيان المغرب ج ٢ ص ١٣٨ و١٣٩ و١٤١، والمقتبس ص ٢٩ و٣٠.
(٣) الحلة السيراء ص ٨٥، والبيان المغرب ج ٢ ص ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>