للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ولايته، ولكنه نكث عهد الطاعة، فسار عبد الرحمن لقتاله وحاصره مدى حين، وكان أصحاب سليمان بحصن طُرُّش، قد نبذوا الطاعة مثله، فسار عبد الرحمن إلى طرش، ونازلهم، ثم ترك قوة استمرت في حصارهم، حتى أذعنوا إلى الطاعة، وسلموا الحصن بالأمان، وأمر عبد الرحمن بتخريبه وتسويته بالأرض. ثم سار عبد الرحمن لحصار سليمان مرة أخرى في سنة ٣١١ هـ (٩٢٣ م)، وخرب سائر المناطق التي يسيطر عليها الثائر، وأخضع معظم حصونها، واعتصم سليمان بجبل بُبَشتر، فنازله عبد الرحمن، واشتد في محاصرته، حتى ضاق الثائر وصحبه بالحصار ذرعاً، وخرج عليه معظم أنصاره، ونكل بالكثير منهم. ونازل عبد الرحمن بالأخص حصن الشط، وكان من أمنع الحصون الثائرة، حتى تغلب ْعليه وعلى ما حوله من الحصون. وأخيراً عرض عليه سليمان أن يعود إلى الطاعة، وأن يسلم بعض حصونه، فاستجاب عبد الرحمن إلى رغبته، وتسلم حصن الشط، وحصن منت ميور وغيرهما من الحصون كفالة بحسن الطاعة، وانصرف عائداً إلى قرطبة، وهو يتحين الفرصة الملائمة للقضاء على الثائر بصورة نهائية.

وفي سنة ٣١٣ هـ، صُلب على الرصيف بباب قرطبة، رجل من أصحاب ابن حفصون هو الرامي النصراني المعروف بأبى نصر، وكان من أحذق الرماة في عصره، وطار صيته أيام عمر بالحذق في الرماية وإصابة الأغراض البعيدة، قلما تخطئ رميته، وقد أودى بحياة كثير من المسلمين من الجند وغيرهم، وساد الذعر منه، وانتهى الأمر بأسره، وإحضاره إلى الحضرة، فجىء به إلى باب السُّدَّة وأمر عبد الرحمن بصلبه وشكه بالسهام، فرفع فوق جذع في مشهد حافل من الناس، وتعاورته الرماة بالسهام حتى مزق بدنه، وترك داميا فوق جذعه؛ ثم أخذت جثته بعد أيام وأحرقت (١).

وفي أواخر سنة ٣١٤ هـ، سير عبد الرحمن وزيره عبد الحميد بن بسيل إلى ببشتر، وخرج سليمان في قواته إلى لقائه فهزم وقتل، واحتز رأسه وقطعت أشلاؤه، وأرسلت إلى قرطبة فرفعت على باب السدة (يونيه سنة ٩٢٧ م).

وقام أخوه حفص مكانه في ببشتر، واستمر على المقاومة حيناً. وفي ربيع الأول سنة ٣١٥ هـ، سار عبد الرحمن بنفسه إلى ببشتر ومعه ولي عهده الحكم،


(١) ابن حيان في المقتبس - السفر الخامس - مخطوط الخزانة الملكية، لوحة ٨٤ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>