للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا حرز كل مخوف وأمان كل ... مشرد ومعز كل مذلل

عبد جذبت بضبعه ورفعت من ... مقداره أهدى إليك بأيِّل

سميته غرسية وبعثته ... في حبله ليتاح فيه تفاؤلي

فكان من عجائب القدر، أن تحققت نبوءة الشاعر. ففي نفس اليوم الذي قدم فيه الأيل والقصيدة إلى المنصور، تمت الهزيمة على الكونت غرسية فرنانديز، وجرح وأسر على ضفاف نهر دويرة، على مقربة من بلدة " القصر "، وذلك في يوم ٢٥ مايو سنة ٩٩٥ (منتصف ربيع الثاني ٣٨٥ هـ). ثم توفي الكونت بعد أيام قلائل متأثراً بجراحه، وتم الأمر لولده سانشو، ولكنه اضطر أن يؤدي الجزية للمسلمين (١).

وفي خريف هذا العام سار المنصور إلى غزو ليون ومعاقبة ملكها برمودو على حمايته لعبد الله بن عبد العزيز المرواني. وكانت الأحوال قد ساءت في ليون، واستولى الأشراف الإقطاعيون على سائر أراضيها وضياعها، ولم يبق لملكها سوى الاسم، واضطر برمودو أن يغادر مدينة ليون عاصمة ملكه، وأن يتخذ أسترقة عاصمة مكانها. فلما أرهقه المنصور بالحرب غادر أسترقه، والتمس الصلح من المنصور، وسلمه المتآمر عبد الله، وتعهد بدفع الجزية، فأجابه المنصور إلى ما طلب. واستولى فيما بعد على مدينة سمورة، وأسكنها المسلمين وولى عليها عاملا من قبله هو أبو الأحوص معن بن عبد العزيز التجيبي. وهكذا عادت قشتالة وليون إلى دفع الجزية لحكومة قرطبة (٢). وأما عبد الله المرواني، فقد ألقى به المنصور إلى السجن مصفداً، وتركه يرزح في أصفاده، بالرغم مما رفعه إليه من القصائد المؤثرة في طلب العفو والمغفرة (٣).

* * *

وقد تقدم أن ابن أبي عامر اتخذ سمة الملك منذ سنة ٣٧١ هـ (٩٨١ م)، وتسمى بالحاجب المنصور، وأمر بالدعاء له على المنابر، وكانت هذه أول خطوة في اتخاذه ألقاب الملك بصفة رسمية، بعد أن استأثر بكل سلطة فعلية.


(١) الذخيرة المجلد الرابع القسم الأول ص ٢٢ و٢٣، وأعمال الأعلام ص ٦٨ و٦٩، والمعجب لعبد الواحد (القاهرة ١٩١٤) ص ٢٠، وابن خلدون ج ٤ ص ١٨١.
(٢) ابن خلدون ج ٤ ص ١٨١. وراجع Dozy: Hist. Vol. II. p. ٢٤٩.
(٣) راجع الحلة السيراء ص ١١٣ و١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>