للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهجائي، وكان سريع البديهة مشهوراً عند العامة والخاصة، لسلوكه في فنون مختلفة من المنظوم. ومدح الرمادي الحكم المستنصر، ولكنه وقع تحت طائلة غضبه لما صدر منه من شعر قاذف في حقه، وأمر باعتقاله مع باقي الشعراء الهجائيين، حماية للناس من ألسنتهم، وزج الرمادي إلى السجن مدة، وكتب خلال اعتقاله كتاباً سماه " كتاب الطير " وصف فيه كل طائر معروف. ثم عفا عنه الحكم وأطلقه مع باقي إخوانه. وتوفي الرمادي فقيراً معدماً أيام الفتنة في سنة ٤٠٣ هـ.

ومن شعره قوله:

لا تنكروا غرر الدموع فكل ما ... ينحل من جسمي يصير دموعا

والعبد قد يعصى وأحلف أنني ... ما كنت إلا سامعاً ومطيعا

قولوا لمن أخذ الفؤاد مسلماً ... يمنن علي برده مصدوعا (١)

ونبغ في تلك الفترة عالم من أعظم علماء اللغة في الأندلس، هو أبو بكر محمد ابن الحسن الزبيدي النحوي الإشبيلي. وقد وضع في اللغة والنحو عدة كتب مشهورة منها " الواضح " و" لحن العامة " " وأخبار النحويين "، كما وضع مختصراً لكتاب " العين "، إلى غير ذلك. وكان في نفس الوقت أديباً بارعاً، وشاعراً محسناً، وقد أورد لنا الحميدي شيئاً من نظمه، وندبه الخليفة الحكم، حسبما أسلفنا في موضعه لتدريس اللغة لولده هشام، وألزمه بالبقاء في قرطبة، ولم يأذن له بالرجوع إلى وطنه إشبيلية. وتوفي الزبيدي قرابة سنة ٣٨٠ هـ (٢).

وكان الخليفة الحكم المستنصر نفسه، فوق تمكنه من العلوم الشرعية وتحقيق الأنساب، أديباً ينظم الشعر الرائق. وقد أوردنا من قبل في موضعه شيئاً من نظمه.

ثم كان الانقلاب العظيم، في مصاير الخلافة الأموية، وتغلب محمد بن أبي عامر أو الحاجب المنصور على الدولة، وكان من حسن الطالع أن المنصور بنشأته وخلاله العلمية اللامعة، كان من أعظم رواد الحركة الفكرية، وكان المنصور عالماً متمكناً من الشريعة والأدب، بارعاً في النثر والنظم، وقد ذكرنا فيما تقدم شيئاً من نثره ونظمه. وكان يعشق مجالس العلماء والأدباء، حتى أنه كان خلال الغزو، يصطحب معه طائفة من الكتاب والشعراء، ينتظمون في مجلسه خلال


(١) الصلة لابن بشكوال رقم ١٤٩١، وجذوة المقتبس رقم ٨٧٨.
(٢) جذوة المقتبس رقم ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>