للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغربية، والإمارات البربرية، عدة حوادث داخلية هامة، كان في مقدمتها بطش المعتضد بولده اسماعيل.

وقد ساق إلينا ابن حيان قصة هذه المأساة، وكان معاصراً لها، متتبعاً لحوادثها، في خبر طويل، خلاصته أنه في سنة ٤٥٠ هـ، تواترت الأنباء في قرطبة بأن المعتضد قد دبر نزول قواته بمدينة الزهراء ضاحية قرطبة الغربية تمهيداً لافتتاحها، وندب ولده وولي عهده إسماعيل الملقب بالمنصور للقيام بهذه المهمة. ولكن إسماعيل لم يشأ أن يقوم بهذه المهمة، لأنه وفقاً لبعض الروايات كان يحقد على أبيه ويستوحش منه لأسباب خاصة، أو لأنه وفقاً لرواية أخرى كان يرى أن مهاجمة قرطبة على هذا النحو مغامرة خطيرة يرجح فشلها، ولاسيما لما كان بين آل جهور سادة قرطبة، وبين باديس أمير غرناطة من محالفة وثيقة العرى. ومن ثم فقد راجع إسماعيل أباه وحذره من العواقب، فأغلظ له أبوه في القول، وألزمه المسير، وأنذره بالقتل إذا نكل، فعندئذ ثارت نفس إسماعيل، وعول على الفرار مع بعض خواصه. ويقال إن الذي شجعه على ذلك وزير أبيه وكاتبه، أبو عبد الله محمد بن أحمد البزلياني، حينما شكا إليه ما يلقاه من غلظة والده وقسوته، فحسن له العقوق والعصيان، والسير إلى أطراف المملكة، حيث ينفرد بنفسه، وعندئذ دبر إسماعيل أمره، وانتهز فرصة غياب أبيه إلى مكان متنزهه في حصن الزاهر، في الضفة الأخرى من النهر، فحزم قدراً كبيراً من المال والذخائر والمتاع، وأخذ أمه وحرمه، وخرج من إشبيلية تحت جنح الليل، ومعه الوزير البزلياني، وثلة من نحو ثلاثين فارساً، وسار في طريق الجزيرة الخضراء، وعلم أبوه بالخبر بعد وقت، فبادر بإخراج عدة من فرسانه في أثره، وبعث ينذر قواد الحصون.

وكان إسماعيل قد وصل خلال ذلك إلى قلعة من قلاع كورة شذونة، وطلب إلى حاكمها ابن أبي حصاد، أن يجيره، فاستقبله وأنزله بالقلعة هو ومن معه، وبادر فكتب إلى المعتضد بحصول إسماعيل في يده، وأنه نادم على ما فعل، ورجاه في العفو عنه، فسر المعتضد، واستجاب إسماعيل لدعوة أبيه إليه بالعودة، ودخل إشبيلية بسائر ماله ومتاعه، فاعتقله أبوه في بعض الدور، واسترد المال والمتاع، وعجل بإعدام الوزير البزلياني لفرط حنقه عليه، وقتل معه نفراً من خواص إسماعيل، فلم يشك إسماعيل عندئذ في مصيره. ودبر مع بعض الموكلين به مؤامرة لدخول القصر والفتك بأبيه والجلوس مكانه، واستطاع بالفعل أن يدخل

<<  <  ج: ص:  >  >>