للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من تصرف ولده الحاقد الناقم، المتربص به، ولاسيما إذا صحت الوقائع التي تسوقها إلينا الرواية المعاصرة عن ائتماره بأبيه، وتسوره القصر ليلا للفتك به، وهي رواية مؤرخ معاصر محايد معاً، هو ابن حيان القرطبي.

وفي سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، قطع المعتضد بن عباد الدعوة لهشام المؤيد في سائر أنحاء مملكة إشبيلية، وقد كان يدعي له بها منذ نحو خمسة وعشرين عاماً، أعني منذ زعم القاضي ابن عباد في سنة ٤٢٦ هـ، أنه عثر بهشام المؤيد حياً، وبايعه ودعا له. وقيل في ذلك إن المعتضد دعا وجوه دولته إلى مجلسه، ونعى لهم هشاماً، وأنه قد مات بالفعل قبل ذلك من علة مزمنة، ولكن لم يعلن وفاته يومئذ، لاشتداد الفتنة، واضطرام النضال بينه وبين الأمراء المتألبين عليه، فلما سكنت الفتنة وجب التصريح بالحق. ومن ذلك الحين يصبح هشام في ذمة التاريخ، وينقطع ذكره بصفة نهائية. ويعلق ابن حيان على ذلك متهكماً في قوله: "وصارت هذه الميتة لحامل هذا الاسم الميتة الثالثة، وعساها أن تكون إن شاء الله الصادقة، فكم قتل وكم مات، ثم انتفض من التراب، ومزق الكفن قبل نفخة الصور ".

وقد قال بعضم في ذلك:

ذاك الذي مات مراراً ودفن ... فانتفض الترب ومُزق الكفن

فقد أعلنت وفاته لأول مرة على يد منتزع عرشه محمد بن هشام المهدي، ودفن بمحضر من العلماء والفقهاء في شعبان سنة ٣٩٩ هـ، ونشر بعد نحو عام على يد الفتى واضح، وتولى الخلافة؛ وتوفي للمرة الثانية قتيلا بيد سليمان المستعين أو ولده محمد بن سليمان في سنة ٤٠٣ هـ، ودفن خفية؛ ولما دخل علي بن حمود قرطبة، وكان الاعتقاد سائداً بأن هشاماً لم يمت وأنه قد اختفى، ولم يجد هشاماً بعد البحث عنه، أعلن وفاته ودعا لنفسه بالخلافة (٤٠٧ هـ). ثم جاء القاضي ابن عباد بعد ذلك في سنة ٤٢٦ هـ، فأعلن ظهور هشام، ودعا له، احتماء بظل الخلافة، ودفعاً لدعاوي بني حمود (١).

- ٤ -

وقد أشرنا من قبل في بداية حديثنا عن المعتضد بن عباد إلى ما نسب إليه من


(١) راجع رواية ابن حيان وتعليقاته على ذلك في دوزي: Historia Abbadidarum V.I.p, ٢٥٠ , والبيان المغرب ج ٣ ص ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>