للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحيلها، من جوف قصره، ما مشى إلى عدو أو مغلوب من أقتاله غير مرة أو مرتين، ثم لزم عريسته يدبر داخلها أموره، جرد نهاره لإبرام التدبير، وأخلص ليله لتملي السرور، ... وهو واصل نعم ليله، بإجابة كيده، ومبتدع نشاط لهوه بقوة أيده، له في كل شىء شوين، وعلى كل قلب سمع وعين.

ما أن سبر أحد من دهاة رجاله غوره، ولا أدرك قعره، ولا أمن مكره، لم يزل هذا دأبه منذ ابتدائه إلى انتهائه" (١).

وقال ابن القطان: "كان ذا سطوة كالمعتضد العباسي ببغداد، وكان ذا سياسة ورأي يدبر ملكه من داره. وكان يغلب عليه الجود، فلم يعلم في نظرائه أبذل منه للمال" (٢).

ووصفه ابن الخطيب بأنه: "كان شديد الجرأة، قوي المنة، عظيم الجلادة، مستهيناً بالدماء" (٣).

وقد انتهت إلينا عن قسوة المعتضد بن عباد قصة مروعة، هي قصة حديقة الرؤوس المحنطة، رؤوس أعدائه الذين سقطوا في ساحة الحرب، أو قتلوا غيلة، وحملت إليه رؤوسهم. ويقول لنا ابن حيان، إن المعتضد كان له بهذه الحديقة التي تملأ قلوب البشر ذعراً، مباهاة أكرم لديه من خزانة جواهر مكنونة، وقد أودعها هام الملوك الذين أبادهم بسيفه، منها رأس محمد بن عبد الله البرزالي، ورؤوس الحجاب ابن خزرون، وابن نوح، وغيرهم ممن قرن رؤوسهم برأس إمامهم الخليفة يحيى بن علي بن حمود، فخص رؤوسهم بالصون بعد إزالة جسومهم الممزقة، وبالغ في تطييبها وتنظيفها، وأودعها المصاون الحافظة لها، فبقيت عنده ثارية تجيب سائلها اعتباراً. ثم يقول لنا إن هذه الرؤوس الفانية كانت تحمل إلى المعتضد في ليالي أنسه وسروره، يشاهدها وهو يترع كؤوس الزاح، فترتاح نفسه لمعاينتها، والخلق يذعرون من التماحها (٤). ويضيف


(١) ابن حيان، ونقله دوزي في: Hist. Abbad. V.I.p. ٢٤٣-٢٤٤
(٢) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٨٤.
(٣) أعمال الأعلام ص ١٥٦.
(٤) ابن حيان ونقله دوزي في Hist, Abbadidarum, V.I, p. ٢٤٣-٢٤٤ , والبيان المغرب ج ٣ ص ٢٠٥ و ٢٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>