للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن بسام إلى ذلك أنه لما افتتحت اشبيلية، وخلع المعتمد بن عباد، عثر المرابطون بهذه الرؤوس في جوالق وأوعية، ظن في البداية أن بها أموال أو جواهر، فهالهم الأمر، وسلم كل رأس منها لمن بقي من عقب أصحابها (١).

على أن هذه النواحي القاتمة لم تكن كل شىء في شخصية المعتضد، فقد كانت ثمة في هذه الشخصية نواح أخرى لامعة عنى ابن حيان أيضاً بالإشارة إليها. من ذلك ما سمت إليه همته من إنشاء القصور الباذخة، والرباع العظيمة المغلة، وما عنى به من تنظيم بلاط بني عباد، وتجهيزه بالعدد والمظاهر الملوكية الفخمة، ونفيس المتاع والرياش، حتى غدا أعظم وأفخم بلاط بين قصور الطوائف.

وقد اشتهرت قصور بني عباد في التاريخ والشعر، وقد كانت منها بمدينة إشبيلية قاعدة ملكهم عدة، منها قصر الإمارة وهو "القصر المبارك"، وقد كان يقع في شرقي نهر الوادي الكبير، في المكان الذي يشغله اليوم قصر إشبيلية الشهير El Alcàzar. والظاهر أنه كان من إنشاء المعتضد بن عباد، أو أنه هو الذي زاد فيه وأسبغ عليه رونقه وفخامته التي اشتهر بها. وقد كان ثمة أيضاً قصر الزاهي، وهو القصر الذي كان يتخذه المعتضد، ومن بعده ولده المعتمد، مكاناً للهو والقصف، وقد كان يقع على الضفة الأخرى من النهر، وتحيط به حدائق غناء (٢). وقد ذكر لنا ابن زيدون في شعره، وذكر لنا المقري أسماء قصور أخرى تتصل بعصر المعتضد، وهي على الأغلب من إنشائه، ومن ثم فإنا نرجىء ذكرها إلى موضعها. وقد اقتنى المعتضد كثيراً من الجياد الصافنات، والغلمان والحشم، وأنشأ له جيشاً منتخباً من أبرع الفرسان والمقاتلة، وبذل لهم الصلات الوفيرة، فكان له ما شاء من التفوق العسكري على أنداده وخصومه، وكان جواداً "يباري جوده السحاب".

وأما عن شخص المعتضد، فقد ترك لنا عنه معاصره ابن حيان تلك الصورة الرائعة، قال: " وكان عباد قد أوتي من جمال الصورة، وتمام الخلقة، وفخامة الهيئة، وسباطة البيان، وثقوب الذهن، وحضور الخاطر، ما فاق


(١) ابن بسام في الذخيرة ونقله نفس المصدر ص ٢٤٠. والبيان المغرب ج ٣ ص ٢٠٥ و٢٠٦.
(٢) قلائد العقيان ص ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>