للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موقفاً يثير الألم والحسرة معاً. فقد كان أعظمهم وأقواهم المعتمد بن عباد، بعد أن تفاهم مع ألفونسو السادس، على تركه وشأنه في مشاريعه نحو طليطلة، مشغولا بمحاربة عبد الله بن بلقِّين بن باديس صاحب غرناطة. وكان المقتدر بن هود أقوى الأمراء المتاخمين لمملكة طليطلة من ناحية الشمال والشرق، مشغولا بنضاله المستمر ضد هجمات ملك أراجون وأمراء برشلونة. وكانت دول الطوائف الشرقية والجنوبية، بعيدة عن ميدان الخطر، لا تستطيع حتى إذا شاءت، لبعد الشقة، أن تقوم بإنجاد طليطلة بصورة ناجعة. وهكذا عدمت طليطلة كل مصدر للعون الحقيقي، كل ذلك والموقف يتحرج، وألفونسو السادس ماض في غزواته المدمرة، حتى أضحت سهول طليطلة كلها خراباً يباباً. ولم يكن يخفى على عقلاء المسلمين أن الموقف عصيب، وأن سقوط طليطلة إحدى قواعد الأندلس العظمى في يد قشتالة، إنما هو نذير السقوط النهائي، وأن انهيار الحجر الأول في صرح الدولة الإسلامية، إنما هو بداية انهيار الصرح كله، فبادر جماعة منهم إلى الحث على الاتحاد واجتماع الكلمة إزاء الخطر المشترك، ونهض القاضي العلامة أبو الوليد الباجي، بإشارة المتوكل بن الأفطس، حسبما تقدم، فطاف بالولايات والقواعد الأندلسية صائحاً منذراً، محذراً من عواقب التفرق، وهو يهيب بملوك الطوائف وشعوبها، أن يبادروا إلى نجدة طليطلة، مؤكداً أن ملك قشتالة سوف يسحق دول الطوائف كلها، واحدة بعد الأخرى. ولكن جهود أولئك الرسل العقلاء الذين كانوا يستشقون ببصرهم الثاقب، ما يضمره المستقبل من ويل، ذهبت كلها سدى، وغلبت الأطماع والأهواء الشخصية، على كل تفكير سليم ومبدأ حكيم، ولبث ملك إشبيلية وهو أولى وأقرب من تقع عليه تبعة الإنجاد، يشهد تفاقم الخطب جامداً معرضاً، وكل همه أن يحتفظ بما انتزعه من أراضي مملكة طليطلة الجنوبية، ولم يتقدم لإنجاد القادر وإنجاد أهل طليطلة، سوى أمير بطليوس الشهم عمر المتوكل بن الأفطس، فقد نزل إلى ميدان النضال ضد ألفونسو السادس، وحاول مدافعته، فبعث ولده الفضل والي ماردة في جيش قوي، ليحاول رد ألفونسو عن طليطلة. ولكنه لم يستطع مغالبة قوى النصارى المتفوقة عليه في العدد والعدة، فارتد آسفاً بعد أن خاض معارك دامية. وكان المتوكل قد بذل مثل هذه المحاولة قبل ذلك ببضعة أعوام في سنة ٤٧١ هـ، وتغلب عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>