للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعراض الثورة التي بدأت في الولايات الجبلية، وليستأنف الغزو؛ فعبر البرنيه، واخترق سبتمانيا إلى وادي الرون وغزا ليون (لوذون) وماسون (١) وشالون الواقعة على نهر الساؤون، واستولى على أوتون وبون، وعاث في أراضي برجونية الجنوبية. ولكن هذا الفتح الكبير لم يكن ثابت الأثر، فقد أدى اختلاف القبائل وتمرد البربر إلى تفكك الجيش الفاتح، وإلى تخلف المدن المفتوحة عن قبضة الفاتحين. فعاد الهيثم إلى الجنوب، ولم يلبث أن توفي بعد أن حكم الأندلس مدى عامين، فاختارت " الجماعة " مكانه محمد بن عبد الله الأشجعي حتى يعين الوالي الجديد (٢)، فلبث في منصبه شهرين، حتى عين عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي واليا للأندلس، عينه عبيدة بن عبد الرحمن السلمي والي إفريقية بمصادقة الخليفة هشام بن عبد الملك في صفر سنة ١١٣هـ (إبريل سنة ٧٣١) (٣) فكانت ولايته الثانية. وكانت ولايته الأولى سنة ١٠٣هـ على أثر كل مقتل السمح كما قدمنا. وكان عبد الرحمن جندياً عظيماً ظهرت مواهبه الحربية في غزوات غاليا، وحاكماً قديراً بارعاً في شئون الحكم والإدارة، ومصلحاً كبيراً يضطرم رغبة في الإصلاح، بل كان بلا ريب أعظم ولاة الأندلس وأقدرهم جميعاً. وتجمع الرواية الإسلامية على تقديره والتنويه برفيع خلاله، والإشادة بعدله وحلمه وتقواه (٤). فرحبت الأندلس قاطبة بتعيينه


(١) لعل ماسون هي التي يسميها ابن عذارى منوسه (راجع البيان المغرب ج ٢ ص ٢٧).
(٢) يقدم كوندي رواية أخرى عن مصير الهيثم، فيقول إن أمر عسفه وجوره نمى إلى الخليفة هشام بن عبد الملك، فانتدب محمد بن عبد الله الأشجعي للتحقيق معه. فلما تحقق صحة التهم المنسوبة إليه عزله وسجنه وصادر أمواله، وأطلق الذين اعتقلهم ظلما. ويقول كوندي أيضا إن الأشجعي هو الذي اختار عبد الرحمن الغافقي لولاية الأندلس، لما تحقق من شجاعته وحزمه بتفويض لديه من الخليفة Condeibid.V.I.p. ٨١ ويأخذ دوزي بهذه الرواية (( Hist.V.I.p. ١٣٧. وكوندي يستقي روايته من بعض المصادر العربية الإسبانية، ولكنه لا يعين هذه المصادر. على أن المصادر العربية التي أمامنا تجمع على أن ولاية الهيثم اختتمت بوفاته، وأن الأشجعي خلفه باختيار الجماعة (البيان المغرب ج ٢ ص ٢٧، ونفح الطيب ج ٢ ص ٥٨ عن ابن بشكوال، وابن خلدون ج ٤ ص ١١٩).
(٣) تختلف الرواية الاسلامية في تارخ ولاية عبد الرحمن، فيقول الضبي إن تعيينه كان في ْحدود سنة ١١٠هـ (بغية الملتمس رقم ١٠٢١)، وكذا ابن بشكوال (نفح الطيب ج ٢ ص ٥٦). ويقول ابن عذارى إنه كان في صفر سنة ١١٢ (ج ٢ ص ٢٨)، وابن حيان إنه كان في صفر سنة ١١٣ (نفح ج ٢ ص ٥٦). وهي أرجح رواية فيما نعتقد وبها أخذنا لاتفاقها مع سير تواريخ الولاة المتقدمين.
(٤) راجع ابن عبد الحكم ص ٢١٦، ٢١٧ وبغية الملتمس رقم ١٠٢١، والحميدي في جذوة المقتبس ص ٦ و٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>