للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستأثر بسائر السلطات، فإنه لم يتخذ شيئاً من مظاهر السلطان والإمارة، ولم يتخذ لقباً من الألقاب الملوكية التي كان يشغف بها أضرابه من رؤساء الطوائف، وإنما كان يسمى فقط بالرئيس (١).

ولما توفي زهير العامري قتيلا في حربه مع باديس بن حبوس صاحب غرناطة في سنة ٤٢٩ هـ (١٠٣٨ م)، واستطاع عبد العزيز المنصور صاحب بلنسية، أن يخلفه في إمارة ألمرية، كانت مرسية وأوريولة من البلاد التابعة لها. وقدر عبد العزيز حزم ابن طاهر، ورسوخ مكانته، فلم يتعرض له بشىء، وأقره على حكم مرسية. وكان ابن طاهر، مع ولائه الظاهر لعبد العزيز المنصور، يسير في رياسته وحكمه على قاعدة الاستقلال التام، ولا ينفذ من أوامر عبد العزيز إلا ما يراه متفقاً مع رأيه وظروف بلده، ويرسل إلى بلنسية فائض الدخل، ويقوم بالنفقة على من ينزل طرفه من الجند، وكان عبد العزيز يقنع منه بهذا المسلك المتسم بالحزم والكرامة والاحترام المتبادل. وفي خلال حكمه الطويل الذي استمر نحو ستة وثلاثين عاماً، ازدهرت أحوال مرسية، وعمها الأمن والرخاء، وذاعت بها العلوم والآداب لقدوة أميرها الأديب العالم، واجتمعت له محبة الشعب وتقديره، وهو ما كان يندر يومئذ في دول الطوائف. وأضحى ابن طاهر في أواخر أيامه من أقوى الرؤساء جانباً، ومن أغنى سراة الأندلس، حتى لقد كان يمتلك وحده نصف أراضي بلده، وكان يعاونه في الحكم والإدارة ولده النابه أبو عبد الرحمن محمد، ولاسيما في أواخر عهده حيث أصيب بالفالج، وطالت علته أعواماً، وتوفي في شهر رمضان سنة ٤٥٥ هـ (١٠٦٣ م) (٢).

فخلفه في حكم مرسية ولده أبو عبد الرحمن محمد بن طاهر، وكان عبد العزيز المنصور قد توفي قبل ذلك في شهر ذي الحجة سنة ٤٥٢ هـ (١٠٦١ م)، وخلفه في حكم بلنسية ولده عبد الملك الملقب بالمظفر، فأقر عبد الرحمن مكان أبيه على حكم مرسية. وكان أبو عبد الرحمن بن طاهر، صنو أبيه في السراوة والحزم والهيبة، فسار في الحكم سيرته، مستقلا عن حكومة بلنسية، معترفاً بطاعتها في نفس الوقت. ونحن نعرف أنه لم يمض على ولاية عبد الملك المظفر لبلنسية أعوام قلائل، حتى زحف فرناندو ملك قشتالة في قواته على بلنسية وحاصرها، ثم


(١) ابن الأثير ج ٩ ص ١٠٠.
(٢) الحلة السيراء (دوزي) ص ١٨٧ و ١٨٨، وأعمال الأعلام ص ٢٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>