للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في شرقي الأندلس، وتمتد رياستها عبر البحر إلى الجزائر الشرقية، فكانت بذلك تغلب صفتها البحرية على صفتها البرية. ثم كانت بهذا الموقع المنعزل الحصين أبعد من أن تنزلق إلى معترك الحرب الأهلية، التي كانت تنحدر إليه ممالك الطوائف الأخرى، وأبعد عن عدوان مملكة قشتالة، الذي كان يهدد سائر الطوائف.

ومن ثم فإن تاريخ مملكة دانية يتخذ طابعاً آخر، غير ذلك الطابع الذي رأيناه يغلب على تاريخ ممالك الطوائف الأخرى.

وكانت دانية مثل معظم القواعد الأندلسية الشرقية، عند اضطرام الفتنة وانهيار الخلافة، من نصيب الفتيان العامريين. تغلب عليها منهم مجاهد العامري في أوائل عهد الفتنة. وقد كان مجاهد هذا من أكابر زعماء العامريين. وكان وفقاً لأرجح الروايات من فحول الموالي أو الفتيان العامريين. وقد كان معظم أولئك الفتيان من الصقالبة، من أصول إفرنجية كالألمان واللنبارد والإيطاليين والجلالقة وأهل البلقان وغيرهم، يؤتي بهم أطفالا ويربون في البلاط تربية عربية إسلامية. وكان منهم الفحول والخصيان. وكان مجاهد ينتمي إلى الفريق الأول أعني إلى الفتيان الفحول، وقد نشأ وربي في عهد المنصور بن أبي عامر. وفي رواية أخرى أن مجاهداً ينتمي إلى طائفة الموالي العامريين، وقد رباه المنصور وعلمه، وقيل أيضاً إنه كان مولى لعبد الرحمن المنصور، أو أن أباه يوسف كان معتوقاً لعبد الرحمن (١). وقيل من جهة أخرى إن مجاهداً كان "رومي" الأصل، أعني من الفتيان الصقالبة (٢). ويعتقد العلامة المستشرق أماري بالاستناد إلى هذه الإشارة أن مجاهداً يرجع إلى أصل إسباني محلي (٣). بيد أنه مما يؤيد الرواية الأولى، وهي نسبة مجاهد إلى الموالي، وليس إلى الفتيان الصقالبة، اسمه وكنيته، فهو أبو الجيوش مجاهد بن يوسف بن علي، ويزيدها أيضاً ما كانت تتمتع به شخصية مجاهد من عروبة قوية، ومن تضلع في علوم القرآن واللغة، حسبما نبين بعد (٤).


(١) جذوة المقتبس (مصر) ص ٣٣١.
(٢) المراكشي في المعجب ص ٤١.
(٣) M. Amari: Storia dei Musulmani di Sicilia (Fierenze ١٨٦٨) V.III.p. ٤
(٤) ابن خلدون ج ٣ ص ١٦٤، والبيان المغرب ج ٣ ص ١٥٦. ويقدم إلينا ابن الأبار مجاهداً بأنه أبو الجيش مجاهد بن عبد الله العامري (الحلة السيراء ج ٢ ص ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>