للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الأعماق، واهتز لها أمراء الأندلس قاطبة، وفي مقدمتهم المقتدر بن هود،

وهو الذي شهدها عن كثب، ولحقه من جرائها أكبر وزر، واتجه إليه أشد

اللوم لتقصيره في إنجاد المدينة المنكوبة والدفاع عنها، وهي من أخص قواعد ثغره. واستنفر الناس للجهاد، واجتمع من مختلف بلاد الأندلس عدد جم من المتطوعة والرماة، ساروا إلى الثغر جهاداً في سبيل الله، وبعث المعتضد بن عباد نجدة من خمسمائة فارس، وسار المقتدر بن هود في قواته، وقوات الأمداد المختلفة إلى بربشتر، وذلك في جمادى الأولى سنة ٤٥٧ هـ (ربيع سنة ١٠٦٥ م) وضربوا حولها الحصار، وامتنع النصارى داخل المدينة، لما رأوه من كثرة جموع المسلمين، وعالج المسلمون نقب أسوارها المنيعة العالية تحت حماية الرماة، ونجحوا في إحداث ثغرة كبيرة فيها، ثم اقتحموا المدينة بشدة، فغادرها النصارى من الناحية الأخرى، وحملوا على محلة المسلمين، ونشبت بين الفريقين معركة شديدة مزق فيها النصارى وهلك معظمهم، وأسر من كان بالمدينة من أهلهم وأبنائهم، وتقدر الرواية من قتل منهم بنحو ألف فارس وخمسة آلاف راجل، في حين أنه لم يقتل من المسلمين وفقاً لتقديرها سوى خمسين رجلا وهي مبالغة واضحة، بيد أنه لم يكن ثمة شك على ضوء الظروف المتقدمة في أن خسائر النصارى كانت فادحة، وأن خسائر المسلمين كانت يسيرة، وقيل فوق ذلك إنه حمل من سبايا النصارى إلى سرقسطة نحو خمسة آلاف، كما حمل إليها ألف فرس وعدة وسلاح وأموال كثيرة. وكان استرداد بربشتر في الثامن من جمادى الأولى سنة ٤٥٧ هـ، بعد أن احتلها النصارى تسعة أشهر (١). وبذلك جبر الصدع، ورفعت المعرة، وأثلجت صدور المسلمين. وعلى أثر هذا الفتح الجليل اتخذ بطله ابن هود لقبه المقتدر بالله (٢).

* * *

وشغل المقتدر بن هود في الوقت نفسه بسلسلة من الوقائع التي اضطرمت بينه وبين جيرانه النصارى. وكانت مملكة سرقسطة لوقوعها بين الممالك الإسبانية النصرانية الثلاث، أراجون ونافار وقشتالة، هدفاً مستمراً لأطماع الملوك


(١) راجع الروض المعطار ص ٤١.
(٢) الذخيرة القسم الثالث المخطوط لوحة ٣٦ ب و ٣٧ أ. والبيان المغرب ج ٣ ص ٢٢٧ و ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>