للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا أظن ذلك أبدًا. إذ الإبداع الأدبي والثقافي إنما هو ابن بيئته، وسياقه لا يمكن أن يتحرر من هذا على الإطلاق، وإلا حكم الأدباء الذي يحاولون هذه المحاولة على أنفسهم وأدبهم بالضياع، نعم، ربما تتقارب الآداب أكثر، لو أن العالم كله أصبح دولة واحدة في مقابل دولة أخرى في القمر وثالثة في المريخ -مثلًا- بافتراض أن الحياة ممكنة في ذينك الكوكبين، ولكن حتى في تلك الحالة سوف تكون هناك سمات خارقة بين أدب كل إقليم وأدب غيره من الأقاليم في هذه الدولة المسكونية الواحدة، رغم التقارب الحادث بتأثير تحول الأرض كلها إلى دولة واحدة -كما أشرت.

إن الله قد خلق البشر مختلفين حسبما نصت الآيتان من سورة هود، ونصهما: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: ١١٨، ١١٩) وهذا الاختلاف عنوان ثراء وغنًى، ولو صار الناس جميعًا شيئًا واحدًا لفسدت الأرض وأسنت الحياة.

ولو افترضنا -جدلًا- أن ذلك قد وقع، فما الذي يبقى للأدب المقارن ليفعله في تلك الحالة؟

إن وظيفة الأدب المقارَن هي في المقام الأول على الأقل المقارنة بين أدب أمة وأدب أمة أو أمم أخرى، ونحن نعرف أن المقارنة إنما تصح بين الآداب المختلفة لا بين منتجات الأدب الواحد ومبدعيه، أي: أنه لن يكون هناك موضوع للأدب المقارن على الأقل على النحو الذي نعرفه عليه الآن، اللهم إلا إذا تغير وتغيرت وظيفته ومهمته.

وهناك نقطة أخرى تخص الأدب المقارن وتتصل بالعولمة، وهي تلك المتعلقة بأدب المبدعين المهاجرين من أوطانهم في العالم الثالث عادةً إلى هذا البلد الأوربي أو

<<  <   >  >>