للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

د- أنتقل بعد ذلك إلى النقطة التالية والأخيرة في هذا اللقاء، وهي: الإيمان بقدر الله -تبارك وتعالى- وأن هذا الإيمان لا يؤدي إلى ترك العمل، فالإيمان بالقدر لا يؤدي إلى ترك العمل، وأقول هذا؛ لأن بعض الناس ضل في هذا الباب، وقال: إذا كان الله عالمًا بكل شيءٍ نفعله، وعالمًا بمصيرنا إلى الجنة أو النار، وكان هو الخالق لأفعالنا فلماذا نعمل وننصب؟ ولماذا لا نترك الأقدار تجري في أعنتها؟ وقد تعمقت هذه الضلالة عند طوائف من العُبّاد والزهاد وأهل التصوف، وذهب إلى هذا القول بعض جهالة المسلمين أيضًا وأهل الزيغ والزندقة، وهذا الفريق يؤمن بالقدر، وأن الله عالمٌ بكل شيءٍ، وخالقٌ لكل شيءٍ، ومريدٌ لجميع الكائنات، ولكنهم زعموا أن كل ما خلقه الله وشاءه فقد رضيه وأحبه، وزعموا أنه لا حاجة بالعباد إلى العمل والأخذ بالأسباب، فما قُدرَ لهم سيأتيهم، وزعموا أن العباد مجبورون على أفعالهم، فالإنسان عندهم ليس له قدرة تؤثر في الفعل، بل هو مع القدر كالريشة في مهب الريح.

وفي الحقيقة هذا الاعتقاد المنحرف الذي أصاب طائفةً من الناس كانت له أثارٌ سيئةٌ على المجتمع بصورة عامة وعليهم بصورة خاصة، فقد دفعهم هذا المعتقد إلى ترك الأعمال الصالحة الخيرة التي توصلهم إلى الجنة وتنجيهم من النار، وارتكبوا كثيرًا من الموبقات بدعوى أن القدر آتٍ آت، وكل ما قُدرَ للعبد سيصيبه، كما ترك هؤلاء الأخذ بالأسباب؛ فتركوا الصلاة والصيام كما تركوا الدعاء والاستعانة بالله والتوكل عليه، ورضي كثيرٌ من هؤلاء بظلم الظالمين وإفساد المفسدين، وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يهتموا بإقامة الحدود والقصاص.

وقد عرض شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لهذا الفريق ومعتقده، فقال: الذين اعترفوا بالقضاء وزعموا أن ذلك يوافق الأمر والنهي، فهؤلاء يؤول أمرهم إلى تعطيل الشرائع والأمر والنهي مع الاعتراف بالربوبية العامة بكل مخلوق، وأنه

<<  <   >  >>