للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مظلومًا بأن تقف بجانبه ضد ظالمه، وذم العصبية في الإسلام لا يقف عند حد العصبية القائمة على أساس المشاركة في القبيلة، أو الجنس، وإنما تتعداها إلى كل عصبية قائمة على سبب آخر ما دام جوهر العصبية موجودًا، وهو نصرة الغير بالباطل بغير هذه المشاركة، وعلى هذا فانتصار أصحاب الإقليم الواحد، أو الحرفة الواحدة، أو المذهب الواحد بعضهم لبعض في الباطل هو من العصبية المقيتة المذمومة، إن خلو المجتمع الإسلامي من العصبية بأنواعها يقلل فرص الاعتداء والظلم، والبغي، ويساعد على شد الأفراد إلى معاني الحق والعدل، وفي هذا كله خير مؤكد للمجتمع ولأفراده.

الأمر الثالث والأخير من نتائج اتخاذ العقيدة الإسلامية أساسًا لنظام المجتمع: تقوى الله -تبارك وتعالى- لأنه بزوال العصبية تزول نتائجها، ومنها التفاخر بالأحساب والأنساب، والعظام البالية، فليس مجرد انتساب الفرد إلى قبيلة معينة مدعاة إلى الفخر، ولا إلى فضله، وعلو منزله، إذ لا علاقة بين فضل الإنسان وبين انتسابه إلى قوم معينين، أو إلى قبيلة معينة، وإنما المعقول أن يقدر فضل الإنسان بقدر ما تحمله نفسه من فضائل، وأخلاق كريمة، وبقدر ما يقدمه مصالح الأعمال، وهذا كله يحققه تقوى الله -عز وجل- ومن هنا كان أساس التفاضل في الإسلام تقوى الله، وأما الانتساب إلى القبائل، فهو للتعارف فقط كانتسابه إلى بلدة معينة، أو حرفة معينة، أو بيت معين، أو تسميته باسم معين، فكل هذه الأشكال من الانتساب، أو الأسماء يقصد بها التعارف، وما يترتب عليه من تعاون أو تكاليف قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

وبهذا الميزان الدقيق العادل لمعرفة أقدار الناس، وفضلهم أصبح المجال واسعًا للتنافس في الخير، وبلوغ المنزلة العالية التي يطمح إليها الإنسان، فلا يمنعه منها

<<  <   >  >>