للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عِلَّاتِهِ وَأَنْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ بِلَا نَظَرٍ وَبِلَا مُرَاجَعَةٍ، وإنما يلقونه بالعجب والدهش، ويقفون منه موقف الريبة والحذر، أو التهمة والإنكار؛ إنه لأمر عظيم أن يجيء في الناس من يقول: إنه رسول الله؛ إنها دعوى عجيبة تحتاج إلى برهان، بل وإلى أكثر من برهان، يقوم إلى جوارها، يؤيدها ويفتح للناس الطريق إلى قبولها والتصديق بها.

من أجل هذا كان الرسول دائمًا مطالبًا من قومه بأن يقدم لهم الدليل القاطع الذي يشهد له أنه متصل بوحي الله -تبارك وتعالى- وأنه القائم بالسفارة بين الله والناس، وهذا الدليل ينبغي ألا يكون في طوق البشر أن يحصلوا على مثله، وإنما هو من خلق القدرة الإلهية التي يدعي الرسول المرسل الاتصال بها، قد اختصته به، وجعلته بين يدي دعواه، ومن هنا كان الدليل مُعْجِزَةً يَعْجَزُ النَّاسُ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا، وَكَانَ آيةً -أَيْ: أَمَارَةً وَعَلَامَةً- على صدق الرسول وصدق ما جاء به.

إن السفير الذي يقوم بالسفارة بين دولة ودولة لا تُقْبَل سفارته، ولا يُعول عليها إلا إذا حمل بين يديه أوراقًا مختومة بخاتم دولته، موثقة بالأدلة التي تثبت شخصيته ومهمته، والسفارة بين الله والناس أعظم سفارة يقوم بها إنسان في هذا العالم، ولهذا اقتضت حكمة الله أن يؤيد رسله بالمعجزات والأمارات التي تشهد لهم أنهم رسل، وأنهم حملة رسالته إلى عباده.

النقطة الرابعة: الناس والمعجزات:

أقول: مع أن الرسل قد جاءوا إلى أقوامهم بالأمارات القاطعة والمعجزات القاهرة التي تشهد أنهم رسل الله، مع هذا فقد وقف كثير من الناس إزاء هذه المعجزات وقفة عناد وعنات، فاستقبلوا الرسول استقبال مكذب مرتاب، أو منابذٍ محارب.

إن الذي دخل على المكذبين الرسل والمعادين لهم لم يكن من جهة قصور في المعجزة، أو نقص في كفاية الأدلة المقنعة والبراهين المبينة، وإنما كان ذلك لما يقع في تفكير الناس من استكثار

<<  <   >  >>