للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقتال الباقين لشق عليهم ذلك، فلما بغى المشركون، وأخرجوا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من بين أظهرهم وهموا بقتله، وشردوا أصحابه شذر مذر؛ فذهبت طائفة إلى الحبشة وآخرون إلى المدينة، فلما استقر بالمدينة ووافاهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- واجتمعوا عليه، وقاموا بنصره، وسارت لهم دار إسلام ومعقلٍ يلجئون إليه، شرع الله -سبحانه وتعالى- جهاد الأحزاب.

ويرى بعض العلماء أن هناك حكمة أخرى من وراء تأخير تشريع الجهاد إلى ما بعد الهجرة، وهي: أن الإسلام يحرص كل الحرص على تربية نفوس المؤمنين كي يصبحوا أهلًا لتحمل الأمانة، وأهلًا للدافع عن العقيدة، فأصّل فيهم الفضائل، وبذر فيهم بذور الصبر والمصابرة، والثبات والمجاهدة، واحتمال المكاره، وأعدهم إعدادًا جعل منهم نماذج فريدة للشجاعة والثبات، والنضج والوعي يهابهم المشركون، ويحتسبون منهم، ويخافون من مواجهتهم رغم قلة عددهم، والإيمان يفعل الأعاجيب، ويورث في النفس البشرية شحنة عالية من الطاقة المتدفقة، ورصيدًا هائلًا من القوة الفاعلة الدافعة، وهذا في الحقيقة ثمرة جليلة من ثمرة العقيدة الإسلامية الصحيحة.

فالإسلام إذن ما شرع الجهاد إلا بعد أن ربى هؤلاء الفتية تربية صحيحة سليمة، دفعتهم إلى الاستجابة لأمر الله -تبارك وتعالى- حينما طُلِبَ منهم الجهاد في سبيل الله -عز وجل- وقد اتفقت كلمة علماء المسلمين على أن الجهاد إنما شُرِعَ بعد الهجرة؛ حيث واصل المشركون عدوانهم على المؤمنين، وذلك بتعزير مَنْ بقي منهم بمكة، وملاحقة مَنْ هاجر إلى المدينة، وبحبك المؤامرات للقضاء على الدعوة في مهدها، ونجد أن صاحب الدعوة -صلى الله عليه وآله وسلم- إزاء هذا العدوان المرير المتواصل، وإزاء تجاوز قريش لحدود العقل والمنطق، وذلك في إيقاعها الضرر تلو الضرر بالمسلمين المؤمنين البررة الأتقياء، كان يتطلع إذن إلى أن يرد هذا العدوان

<<  <   >  >>