للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ثباته وجاهده وحنكته -رضي الله تعالى عنه- إنفاذه لجيش أسامة -رضي الله عنه- ولقد ظهر فقه الصديق وظهرت حكمته عند إصراره على إرسال وبعث جيش أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنهما- من عدة وجوه:

منها: تنفيذه بعث أسامة -رضي الله عنه- على الرغم من شدة الأحوال ومعارضة بعض الصحابة وذلك امتثالًا لأمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ففي ذلك أولًا الامتثال الكريم لأمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأصر -رضي الله عنه- على أن تستمر الحملة العسكرية في تحركها إلى الشام مهما كانت الظروف والأحوال والنتائج، وفشلت كافة المحاولات الهادفة لإقناع الصديق -رضي الله عنه- كي يتخلى عن فكرة إرسال جيش أسامة، وعندما كثر الإلحاح على أبي بكر دعا عامة المهاجرين والأنصار إلى اجتماع المجلس لمذاكرة هذا الأمر معهم، وبين لهم أن إنفاذ جيش أسامة هو مشروع وضعه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وعلينا تنفيذه مهما بلغت الصعاب والمتاعب، وقال: "أيها الناس! والله، لو خطفتني الكلاب والذئاب لأنفذت أسامة وجيشه كما أراد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لا راد لقضاء قضى به رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم".

ولما أشار بعض الناس على أبي بكر أن يولي أمر الجيش رجلًا أقدم سنًا من أسامة غضب لذلك؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هو الذي أمر أسامة على هذا الجيش، فلا يريد -رضي الله عنه- أن يغير شيئًا فعله رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وسار أسامة حتى انتهى لما أمره به رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فبعث الجنود إلى بلاد قضاعة، وأغار أسامة على "أبنا" فسبى وغنم ورجع المدينة ظافرًا بعد أن غاب عنها أربعين يومًا، وكان إنفاذ جيش أسامة من أعظم الأمور نفعًا للمسلمين، فإن العرب قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين.

<<  <   >  >>