للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يصبح الأمر محصورًا في الحصول على العير فقط، بل تحول ربما إلى مواجهة بين المسلمين وبين المشركين، وهنا أراد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يعرف رأي الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- قبل الدخول في تلك المعركة الحاسمة، فاستشار -صلوات الله وسلامه عليه- أصحابه، فتكلم أبو بكر الصديق فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب، فقال وأحسن، وكذلك قام المقداد بن عمرو، فتكلم وقال وأحسن.

وهؤلاء القادة الثلاثة الذين كانوا من المهاجرين ولكن كانوا أقلية في الجيش والأنصار أكثر، فأحب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يعرف رأي قادة الأنصار؛ لأنهم كما أشرت كانوا يمثلون أغلبية الجيش، ولأن ثقل المعركة سيدور على كواهلهم، مع أن نصوص العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم، فقال -بعد سماع كلام هؤلاء القادة الثلاثة- أشيروا علي أيها الناس، وإنما يريد الأنصار، وفطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ -رضي الله عنه- فقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله! قال: أجل، قال: فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما سمع هذه الكلمات سر واستبشر بها -صلوات الله وسلامه عليه- لأنها كلمات خرجت من قلب هذا الصحابي الصادق في إيمانه المجاهد في سبيل ربه ومولاه -رضي الله تعالى عنه.

وهناك موقف عظيم لا يقل عن هذا الموقف الجليل، وهذا الموقف أذكره هنا لأبين شيئًا من جهاد هذا الصحابي الجليل ومن حرصه على الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-: لما تكالبت قوى الشرك بكتائبها الهائجة وكادت أن تغرق القلة المؤمنة وذلك في غزوة الأحزاب،

<<  <   >  >>