للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو ذا يدار به من الجوع فأطعمني شيئًا، قال أبو بكر المروزي: فجئته بأقل من رغيف فأكله، وكان يقوم إلى الحاجة فيستريح، ويقعد من ضعفه؛ حتى إن كنت لأبل الخرقة، فيلقيها على وجهه لترجع إليه نفسه، بحيث إنه أوصى فسمعته يقول عند وصيته -ونحن بالعسكر، وأشهد على وصيته-: هذا ما أوصى به أحمد بن محمد، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله.

هكذا ذكر أبو بكر -رحمه الله- عن وصية الإمام أحمد، ولا شك أنه ذكر أعظم ما فيها، وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: استكملت سبعًا وسبعين سنة، ودخلت في ثمانٍ، فحمَّ من ليلته، ومات اليوم العاشر.

وقال صالح بن أحمد أيضًا: لما كان أول ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ومائتين حُمَّ أبي ليلة الأربعاء، وبات وهو محموم يتنفس تنفسًا شديدًا، وكنت قد عرفت علته، وكنت أمرضه إذا اعتل، فقلت له: يا أبت علام أفطرت البارحة؟ على ماء الباقلاء، ثم أراد القيام، فقال: خذ بيدي، فأخذت بيده، فلما صار إلى الخلاء ضعف، وتوكأ إليه، وكان يختلف إليه غير متطبب كلهم مسلمون، فوصف له مطبب قرعة تشوى، ويسقى ماءها، وجاء جار لنا قد خضب، فقال أبي: إني لأرى الرجل يحيي شيئًا من السنة فأفرح به.

وهنا أقف وقفة عند قول هذا الإمام -رحمه الله- لأبين وأذكر وأوضح أن الإمام أحمد كان معظمًا للسنن والآثار -رحمه الله تبارك وتعالى- وهذا شيء جميل من هذا الإمام، هو في مرض موته -رحمه الله- لما رأى جارًا له قد خضب شعره قد فرح بذلك، وقال: إني لأرى الرجل يحيي شيئًا من السنة فأفرح به.

قال ابنه صالح -رحم الله الجميع-: واجتمعت عليه أوجاع ولم يزل عقله ثابتًا، وهذه نعمة من نعم الله على مثل هؤلاء الأئمة -رحمهم الله تبارك وتعالى- أن الله يحفظ

<<  <   >  >>