للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأود هنا أن أنتقل إلى نقطة أخرى أبين فيها موقف الإمام أحمد -رحمه الله بعد المحنة.

الله -عز وجل- أولًا: ثبت الإمام أحمد ولم يقل بقولهم، حتى نصره الله تبارك وتعالى عليهم، وهذا الانتصار أيضًا جعل الإمام أحمد، يثبت بعد هذه المحنة ثبوتًا كالجبال -رحمه الله تبارك وتعالى.

ولذلك أود في دقائق معدودة أقول فيها: لما ولي المتوكل على الله الخلافة استبشر الناس بولايته، فإنه كان محبّا للسنة وأهلها ورفع المحنة عن الناس، وكتب إلى الآفاق: لا يتكلم أحد في القول بخلق القرآن، ولما تولى نيابة بغداد عبد الله بن إسحاق كتب المتوكل إليه: أن يحمل إليه الإمام أحمد، فقال لأحمد في ذلك فقال: إني شيخ كبير وضعيف فرد الجواب على الخليفة بذلك، فأرسل يعزم عليه ليأتينه الإمام وكتب إلى أحمد: إني أحب أن آنس بقربك وبالنظر إليك، ويحصل لي بركة دعائك، وهذا يدل على أن الله -عز وجل- يؤيد أئمة أهل الدين مهما وقع عليهم من ظلم سابق، ولهذا سار إليه الإمام أحمد، وهو عليل في بنيه وبعض أهله، فلما قارب العسكر تلقاه وصيف الخادم في موكب عظيم، فسلم وصيف على الإمام أحمد فرد السلام، وقال له: قد أمكنك الله من عدوك ابن أبي دؤاد، فلم يرد عليه جوابًا، وهذا في الحقيقة حسن أدب ووقار من الإمام أحمد -رحمه الله تبارك وتعالى- يعني: لم يشمت في عدوه الذي فعل به ما فعل.

والشاهد: أن الإمام أحمد كرم بين يدي المتوكل تكريمًا شديدًا، وأراد منه الخليفة أن يقيم هناك عنده ليحدث الناس عوضًا عما فاتهم منه في أيام المحنة وما بعدها من السنين المتطاولة، فاعتذر إليه بأنه عليل وأسنانه تتحرك، وهو ضعيف، وكان الخليفة يبعث إليه في كل يوم مائدة فيها ألوان الأطعمة والفاكهة والثلج مما يقوم مائة وعشرين درهمًا في كل يوم، والخليفة يحسب أن أحمد يأكل، ولم يكن

<<  <   >  >>