للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: مع ما كان عليه من الكرم والشجاعة والفراغ عن ملاذ النفس، ولعل فتاويه في الفنون تبلغ ثلاثمائة مجلد -فتاويه فقط- بل أكثر، وكان قولًا بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم، ثم قال -يعني: الحافظ الذهبي رحمه الله- ومن خالطه يعني: خالط شيخ الإسلام وعرفه قد ينسبني إلى التقصير فيه، ومن نابذه وخالفه قد ينسبني إلى التغالي فيه، وقد أوذيت من الفريقين منه أصحابه وأضداده، وكان أبيض أسود الرأس واللحية، قليل الشيب، شعره إلى شحمة أذنيه، كأن عينيه لسان ناطقان، ربعة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهوري الصوت فصيحًا سريع القراءة تعتريه حدة، لكن يقهرها بالحلم. ثم قال الحافظ الذهبي -رحمه الله-: ولم أر مثله في ابتهاله واستعانته بالله وكثرة توجهه، وأنا لا أعتقد فيه عصمة، بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية، فإنه كان مع سعة علمه وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدين بشرا من البشر، تعتريه حدة في البحث وغضب وصدمة للخصوم تزرع له عداوة في النفوس، ولولا ذلك لكان كلمة إجماع، فإن كبارهم خاضعون لعلومه معترفون بأنه بحر لا ساحل له، وكنز ليس له نظير، ولكن ينقمون عليه أخلاقًا وأفعالًا وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد.

هذه الكلمات -وسأتابع بعد قليل كلام الإمام الحافظ الذهبي- أود أن أقف عندها حتى لا يظن أحد أن الإمام الحافظ الذهبي وهو تلميذ لشيخ الإسلام ابن تيمية يطعن على شيخه وتلميذه الإمام ابن تيمية -رحمه الله- أقول: ليس هذا بصحيح، وإنما هذا هو ما علمه شيخ الإسلام ابن تيمية لطلابه وتلاميذه، علمهم أن لا يقلدوا أحدًا وألا يتابعوا أحدًا على خطئه وعلمهم -رحمه الله- أن كل واحد يخطئ ويصيب، وأن المعصوم من عصمه الله -تبارك وتعالى- ومن هؤلاء أنبياء الله والرسل فالله -عز وجل- قد عصمهم في تبليغ الوحي والرسالة، أما غيرهم من آحاد الناس فكل يؤخذ من

<<  <   >  >>