للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعندما يتولى الناس ويعرضون عن دعوة الرسل، فإن الرسل لا يملكون غير البلاغ، {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} (آل عمران: من الآية: ٢٠).

الوظيفة الثانية من وظائف الرسل: الدعوة إلى الله تعالى: لا تقف مهمة الرسل عند بيان الحق وإبلاغه، بل عليهم أن يدعوا الناس إلى الأخذ بدعوتهم، والاستجابة لها، وتحقيقها في أنفسهم اعتقادًا وقولًا وعملًا، وهم في ذلك ينطلقون من منطلقٍ واحدٍ، فهم يقولون للناس: أنتم عباد الله والله ربكم وإلهكم، والله أرسلنا لنعرّفكم كيف تعبدونه، ولأننا رسل الله مبعوثون من عنده؛ فيجب عليكم أن تُطيعونا وتتبعونا، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: من الآية: ٣٦).

وقد بذل الرسل في سبيل دعوة الناس إلى الله -عز وجل- جهودًا عظيمًا، وحسبك في هذا أن تقرأ سورة "نوح" لترى الجهد الكبير الذي بذله -عليه السلام- على مدار تسعمائة وخمسين عامًا، فقد دعاهم ليلًا ونهارًا سرًّا وعلانية، واستعمل أساليب الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وحاول أن يفتح عقولهم، وأن يوجهها إلى ما في الكون من آيات، ولكنهم أعرضوا، {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا} (نوح: ٢١).

الوظيفة الثالثة من وظائف الأنبياء والمرسلين: التبشير والإنذار: فدعوة الرسل إلى الله تقترن دائمًا بالتبشير والإنذار، ولأن ارتباط الدعوة إلى الله بالتبشير والإنذار وثيق جدًّا؛ فقد قصر القرآن مهمة الرسل عليهم في بعض آياته، قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} (الأنعام: من الآية: ٤٨) وقد ضرب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- لنفسه مثلًا في هذا، فقال: ((إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجلٍ أتى قومًا؛ فقال: يا قومي إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من

<<  <   >  >>