للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يذكر السيوطي مثالًا لما جاءت به الطريقة المسلوكة ثم جاء ما يخالفها، ومثال ذلك: تنكير الحال، فالجادة أن يكون الحال نكرة؛ لأنه خبر من الأخبار، فألزموه التنكير؛ لئلا يُتوهَّم كونه نعتًا لا حالًا؛ ولأن الحال فضلة فلم يستحق أن يُعرف؛ إذ لا فائدة لتعريفه، وقد جاء ما يخالف هذه الجادة، فورد الحال معرفةً في قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ} (الزمر: ٤٥) ونحو قولهم: ادخلوا الأول فالأول، ونحو: أرسلها العراك. فلما كانت الحال معرفة فيما سبق وهو مخالف لأقيسة النحويين؛ وجب تأويلها بالنكرة، ففي قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ} (الزمر: ٤٥) يكون التأويل: وإذا ذُكر الله منفردًا، وقولهم: ادخلوا الأول فالأول، على تأويل: ادخلوا مرتبين، وقولهم: أرسلها العراك على تأويل: أرسلها معتركة أي: أرسل الإبل، أو الخيل، أو الأُتُن للشرب مزدحمة على الماء.

وإنما ساغ تأويل في هذه الأمثلة ونحوها؛ لأنه لا يمكن ردُّها لورودها عن الفصيح المحتج بكلامه، ولا يجوز نقدُ القواعد بها؛ لأن القواعد لا تُنقد بمجرَّد ما يُسمع، وقد يكون الشيء المخالف للجادة لغة لقوم من العرب، وله حينئذٍ حكم آخر بيَّنه أبو حيان بقوله: "أما إذا كان لغة طائفة من العرب لم تتكلم إلا بها، فلا تأويلَ" انتهى.

فقوله: "إذا كان" يريد به إذا كان ما ثبت عن العرب، وكان مخالفًا للقواعد؛ فلا يجوز تأويله. هذا هو الحكم الذي ذكره أبو حيان، ونقله عنه السيوطي، وهو حكم عام في جميع ما خالف الجادة، وكان لغة لطائفة من العرب. والتحقيق: أنه إذا كان الكلام المخالف للجادة لغةً لطائفة من العرب؛ فله حكمان بالنظر إلى مَن سُمع منه، فإن سُمع مِن أصحاب هذه اللغة لم يجز تأويله، وإن سمع من غيرهم جاز تأويله.

<<  <   >  >>