للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن واقعه، لا يعلم ما يدور حوله، بل عايشه بقلبه وقالبه. وإذا قضى حياته مجاهدا بقلمه ولسانه، فقد كان من حملة السيف، وأبطال المعارك، ترجم علمه بعمله، وقوله بفعله، ولنأخذ أنموذجا وموقفا من مواقفه الجهادية التي خاض غمارها وشق غبارها، ومن خلالها يمكن أن نستشف ما كان يتمتع به هذا الرجل من روح جهادية، خلدت اسمه ورفعت شأنه.

عاش شيخ الإسلام عصرا محموما يعج بالفتن والقلاقل كانت الأمة الإسلامية فيه مليئة بالأحداث الجسام والمصائب المتلاحقة، تعيش تمزقا لم يسبق له مثيل، فما كادت الحملات الصليبية تنتهي، إلا وفجعت أمة الإسلام بالجيش التتري الغاشم يجتاح العالم الإسلامي، ويأتي على الرطب واليابس، وأصبحت ممالك المسلمين تتساقط في أيديهم الواحدة تلو الأخرى. وهم يعيثون فيها خرابا، وسلبا ونهبا، وأسرا وقتلا، حتى أتوا على حاضرة العالم الإسلامي «بغداد» وطوقوها عام ٦٥٦ هـ وسقطت في أيديهم بعد أن قتلوا الخليفة العباسي «المستعصم» وما صاحب ذلك من سفك الدماء ودمار شامل لم يعرف التاريخ له نظيرا «١».

وبهذا أصبح شبح التتار يثير الرعب في نفوس المسلمين وترتعد له القلوب خوفا ورهبا.

وفي سنة ٦٩٩ هـ عزم «قازان» حاكم التتار على غزو الشام- وسبقت الإشارة إلى موقف شيخ الإسلام من هذا ومقابلته قازان، ورجوع الأخير عن عزمه- «٢».

وفي رجب سنة ٧٠٢ هـ شاعت الأخبار بعزم التتار على دخول بلاد الشام، فأصاب الناس ذعر وهلع وخوف شديد، وبدءوا في الخروج إلى الديار المصرية، وهنا يبرز أثر الشيخ فيقف ويهدّئ الناس ويطمئنهم ويعدهم النصر، ويحثهم على الجهاد، ويأمرهم بالصبر والمصابرة، ويكثر من الابتهال إلى الله والتضرع إليه.

وفي هذه الأثناء سار إلى السلطان وحثه على قتال التتار فأجابه إلى ذلك، وكان يحلف للأمراء والناس أنهم لمنصورون، فيقول له الأمراء: قل: إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا. وكان يتلو بعض الآيات في ذلك.

وقد حصل عند الناس شبهة، وتردد في قتالهم، على أي شيء يقاتلون!


(١) انظر تفصيل ذلك في: البداية والنهاية (١٣/ ٢٠٠ - ٢٠٤)، سير أعلام النبلاء (٢٣/ ١٨١ - ١٨٣)، دول الإسلام للذهبي ص ٣٦٠ - ٣٦٢.
(٢) انظر: «شجاعة شيخ الإسلام وقوته».

<<  <   >  >>