للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما سبق يمكن القول: بأن سبب بناء بعض الأسماء ينحصرُ في أمرٍ واحدٍ، وهو شبه الاسم بالحرف؛ وأن ما ذكره الأنباري من تضمن الاسم معنى حرف هو نوعٌ من أنواع الشبه. وبعد أن انتهينا من بيان استصحاب الأصل في إعراب الأسماء، نعود إلى كلام الأنباريّ في استصحاب الأصل في الأفعال، وهو البناء، فنقول: إن الأصل في الفعل أن يكون مبنيًّا؛ لعدم اختلاف المعاني الدالِّ عليها، وما أُعرِبَ من الأفعال فإنما أُعرِب لعلةٍ تُوجب إعرابَه، وقد ذكر أبو البركات الأنباريُّ ما يُوجب الإعرابَ في بعض الأفعال؛ فقال: "وما يُوجب الإعرابَ من الأفعال فهو مضارعةُ الاسمِ في نحو: يذهب، ويكتب، ويركب، وما أشبه ذلك". انتهى. ومعنى ما ذكره الأنباريُّ: أن الفعل المضارع وحدَهُ هو الذي يُعرب، وغيرُه من الأفعال يظل على أصله من البناء، وإنما أُعرب المضارع؛ لأنه أشبه الاسمَ، ويَحسنُ بنا أن نذكر الأوجهَ التي أشبه فيها الفعل المضارعُ الاسمَ، فاستحق الإعرابَ لذلك، فنقول: إن الفعل المضارعَ قد أشبه الاسمَ في عدة أوجه:

الوجه الأول: الإبهام والشيوع، ثم التخصيص بالقرينة، فالفعل المضارع فيه شيوعٌ، ثم يدخل عليه حرفٌ يزيل شيوعَه ويخلّصه لشيء واحد، تقول: زيد يفعل، فيصلح أن يكون للحال والاستقبال، فإذا قلت: يفعل الآن، أو سيفعل، أو سوف يفعل، فقد قرنته بما يزيل إبهامه، ويخلّصه لأحد الوجهين -وهو الحالُ- فلا يصلحُ للاستقبالِ، أو الاستقبال فلا يصلح للحال، وهو بذلك بمنزلةِ الأسماءِ الشائعة كرجل وفرس؛ لأنك تقول: جاءني رجل، فلا يَختص بواحدٍ من النوع، ثم تُدْخِلُ عليه حرفًا يخصه بواحد معين، تقول: جاءني الرجل الذي تعْلم، فيصير بحيث تضع اليد عليه، فقد تقرر المشابهةُ بين الاسم وهذا النوع من الفعل، من حيث إنك أزلتَ الشِّياعَ في كل واحد منها بحرف أدخلتَه على أوله.

<<  <   >  >>