للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمّا السيوطيُّ فقد رأيناه يُعوِّل على كلام الأنباريِّ، ويرى رأيه في أنّ الاستصحاب من أصول النحو الغالبة، وكان يقول: "والمسائل التي استدلّ فيها النحاةُ بالأصل كثيرةٌ جدًّا لا تحصَى"، وقد كثرت المسائل التي استدلّ فيها السيوطيُّ باستصحاب حال الأصل في مواضع متفرقةٍ من مؤلفاته. ونذكر هنا مسألتين أوردهما السيوطي في كتابه (هَمع الهوامع)؛ المسألة الأولى: الأصل في البناء أن يكون على السكون، ذكر السيوطي أنّ الأصل في البناء السكون، وقال: "لأنّ السكون أخفُّ، فلا يُعدَل عنه إلا لسبب؛ ولأنّ الأصل عدمُ الحركة، فوجب استصحابُه -أي: استصحابُ الأصل، وهو السكون- ما لم يمنع منه مانع".

والمسألة الثانية: تسكين فعل الأمر؛ استصحابًا للأصل، قال في مبحث المضمَر: "إذا أُسنَدَ الفعلُ إلى التاء والنون ونا سكَنَ آخرهُ، كضربْتُ، وضربْنَ، ويضربْنَ، واضربْنَ، وضربْنا، وعلة الإسكان عند الأكثر كراهةُ توالي أربعِ حركات فيما هو كالكلمة الواحدة؛ لأنّ الفاعلَ كجزءٍ من فعله، ثم حُمِلَ المضارعُ على المعنى، وأمّا الأمرُ فيسكُن استصحابًا". انتهى. ومعنى ما ذكره السيوطي أنّ فعل الأمر يبنى على السكون استصحابًا للأصل؛ لأنّ الأصل في البناء أن يكون على السكون.

ومع عناية السيوطي بهذا الأصل وعدِّه إياه واحدًا من الأصول الغالبة، وجدناه لم يرتضِ اتخاذَه دليلًا لعلة بناء الآنَ، وردَّ قولَ مَن استدلَّ به وهو الفرّاءُ؛ إذ ذهب الفرّاءُ في أحد قوليه إلى أنّ الآنَ إنما بُنيَ؛ لأنه نُقِلَ من فعلٍ ماضٍ وهو آنَ فبقيَ على بنائه؛ استصحابًا للأصل. قال الفرّاءُ في (معاني القرآن): "وإن شئتَ جعلتَ الآن أصلها من قولك: آنَ لكَ أنْ تفعلَ، أَدْخَلْتَ عليها الألفَ واللامَ،

<<  <   >  >>