للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد وُجد في هذه الألفاظ ما يقضي بإعلالها، فيقال: استحاذ وأغالت وأطلت ومبالة ومطابة ويكرم، ولكن بقيت الواو والياء بحالهما مع قيام مقتضى الإعلال؛ استحسانًا، وتنبيهًا على أن الألف في نحو قولنا: استقام، أصله الواو، وأن الأصل: استقوم، وعلى أن أصل نحو مقامة هو مقومة، وأصل يحسن: يؤحسن، ولا يقاس هذا؛ لأنه لم تستحكم علته، وإنما خرج تنبيهًا وتصرفًا واتساعًا.

والمثال الثالث: بقاء الحكم مع زوال علته، وهذا المثال نقله السيوطي عن (الخصائص) من باب عنوانه: باب في بقاء الحكم مع زوال علته، ومضمون هذا الباب: أن الأصل أن الحكم مرهون بعلته، فإن زالت العلة زال الحكم إلا أن يكون في الكلام استحسان، فتزول العلة ويبقى الحكم، وقد صدره ابن جني بقوله: "هذا موضع ربما أوهم فساد العلة، وهو مع التأمل ضد ذلك نحو قولهم فيما أنشده أبو زيد:

حِمًى لا يُحل الدهر إلا بإذننا ... ولا نسأل الأقوام عقد المياثق

ومعنى البيت: كنا في الزمن الذي لا يطيع الناس بعضهم بعضًا، يُرَى لنا حمًى لا يحل إلا بإذننا، وحمى في البيت مرفوع؛ لأنه قام مقام الفاعل للفعل يرى في بيت قبله، والدهر منصوب على الظرفية الزمانية"، وأوضح ابن جني أن المياثق جمع مفرده ميثاق، والأصل فيه: موثاق، وقد وقعت الواو ساكنة بعد كسرة فقلبت ياءً، فقيل: ميثاق، ويجمع على: مواثق، برد الواو إلى أصلها؛ لأن العلة التي أوجبت قلبها في المفرد قد زالت في الجمع، وهي كسر ما قبلها مع سكونها، لكن استحسن هذا الشاعر ومَن تابعه إبقاء القلب مع زوال العلة، فقال في جمعه: مياثق، بإبقاء القلب، والذي حسن بقاء القلب هو أن الجمع غالبًا تابع لمفرده إعلالًا وتصحيحًا، أي: وهذه علة استحسانية خلفت العلةَ الموجبةَ للقلب، فلأجلها بقي القلب بحاله، فلما أعل المفرد بقلب الواو ياءً وقيل: ميثاق، أعل الشاعر الجمع تبعا لمفرده؛ استحسانًا، لا عن علة قوية مستحكمة. قال ابن

<<  <   >  >>