للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} (الزمر: ٣٦) ومن دخول الباء في خبر ما قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (فصلت: ٤٦). فإذا ثبت أن ما قد أَشبهت ليس وجب أن تعمل عملها.

ومما سبق: يتبين أن هناك قياسين متعارضين، وقد رجح الأنباري قياس البصريين، فذكر أن النقل -أي: السماع- هو الذي يرجح ما ذهب إليه البصريون، فقال: "وأما قولهم -أي: قول الكوفيين: إن القياس يقتضي ألا تعمل، قلنا: كان هذا هو القياس، إلا أنه وُجِدَ بينها وبين ليس مشابهة اقتضت أن تعمل عملها، وهي لغة القرآن، قال الله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} وقال تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} (المجادلة: ٢) ". ومما سبق: يتبين أن السماع هو أحدُ الطريقين اللذين يُرجح بهما بين القياسين المتعارضين.

والطريق الآخر هو القياس، ومثاله: أن يقول الكوفي: إنَّ إِنَّ وأخواتِها تعمل في الاسم النصب لشبه الفعل، ولا تعمل في الخبر الرفع، بل الرفع فيه بما كان يرتفع به قبل دخولها، فيقول البصري: هذا فاسد؛ لأنه ليس في كلام العرب عامل يعمل في الاسم النصب إلا وهو يعمل الرفع، فما ذهبتَ إليه يؤدي إلى ترك القياس ومخالفة الأصول لغير فائدة، وذلك لا يجوز. وبيان ذلك: أن النحويين لم يختلفوا في أن إنَّ أو إحدى أخواتها هي التي تعمل النصب في الاسم، ولكن اختلفوا في عامل الرفع في الخبر على مذهبين، وحجة الكوفيين فيما ذهبوا إليه أن إنَّ إنما عملت بالحمل على الفعل فهي ضعيفة، ويجب أن تكون منحطةً عن رتبة الفعل الذي عملت بالحمل عليه كما هو شأن الفرع أبدًا، فوجب نزولها عن الفعل، ولو عملت في الخبر لأدى ذلك إلى التسوية بين الأصل والفرع.

<<  <   >  >>