للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتابع ابن جني حديثه عن شيخه أبي علي، وبيان ما كان يفعله إزاء ما يسمعه من أقوال أبي الحسن الأخفش الكثيرة فقال: "وكان إذا سمع شيئًا من كلام أبي الحسن -أي: الأخفش- يُخالف قوله يقول: عكر الشيخ، يعني: أخرج كلامه عن الوضوح والصفاء إلى الغموض والخفاء، قال: وهذا ونحوه -أي: ما يخطر بباله من الأفكار والإدراكات- من خلاج الخاطر، وتعادي المناظر، وهو الذي دعا أقوامًا إلى أن قالوا بتكافؤ الأدلة أي: بتساويها، واحتملوا أثقال الصغار والذلة. قال: وحدثني أبو علي قال: قلت لأبي عبد الله البصري: أنا أعجب من هذا الخاطر في حضوره تارة ومغيبه أخرى، وهذا يدل على أنه من عند الله، فقال: نعم، هو من عند الله إلا أنه لا بد من تقديم النظر" انتهى.

وأختم بذكر مثال للقولين المتضادين لعالم واحد، وبالبحث عن تاريخهما يُعلم أن الثاني هو ما اعتزمه ذلك العالم، وأن الأول يُعدُّ مرجوعًا عنه في ضوء ما وضعه ابن جني من قوانين، وما نص عليه من قواعد، وإن لم يذكر لنا مثالًا لذلك. وذلك المثال الذي نورده هنا من واقع بعض مؤلفات ابن مالك -رحمه الله تعالى. قال ابن مالك في كتاب (التسهيل) باب إعمال المصدر: "والغالب إن لم يكن بدلًا من اللفظ بفعله تقديره به بعد أنِ المخففة أو المصدرية، أو ما أختها".

ويُفهم من هذه العبارة شيئان؛ أحدهما: أن المصدر العامل عمل فعله نوعان: نوع يقدر بالفعل، وحرف مصدري من الأحرف الثلاثة، ونوع يقدر بالفعل وحده وهو الآتي بدلًا من اللفظ بفعله. والآخر: أن تقدير المصدر بالفعل والحرف المصدري في النوع الأول ليس شرطًا لازمًا في عمل المصدر، بل هو عند ابن مالك شرط غالب يعني: قد يتخلف،

<<  <   >  >>