للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذ يكون في النص تصريح بالعلة؛ بحيث يعرفها من يسمع نص الأعرابي، وليس كذلك في الإيماء؛ إذ لا يفطن إليه إلا لبيب.

وقد ذكر السيوطي -رحمه الله- في كتاب (الاقتراح) مثالين فيهما إيماء إلى العلة وهما؛ المثال الأول: رُوي أن قومًا من العرب أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((من أنتم؟ فقالوا: نحن بنو غيان. فقال: بل أنتم بنو رشدان)) فكان الاسم مشتقًّا من الغي والغواية بفتح الغين فيهما، وهو الانهماك في الجهل، والإمعان في الضلال، ولم ينطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا الاشتقاق، بل غير الاسم إلى رشدان من الرشد، وهو ضد الغي؛ فكان تغييره دليلًا على أن الألف والنون في غيان زائدتان، وليس في اللفظ تصريح، ولا كناية، ولا تعريض يدل على زيادتهما، بل إيماء وإشارة إلى زيادتهما. وتُفهم هذه الإشارة من اشتقاقه إيَّاه من الغي. وقد علق ابن جني على هذا المثال بقوله: "أشار إلى أن الألف والنون زائدتان، وإن كان لم يتفوَّه بذلك غير أن اشتقاقه إيَّاه من الغي بمنزلة قولنا نحن: إن الألف والنون فيه زائدتان". ومعنى ما ذكره ابن جني: أن الاشتقاق من الغي دلَّ بطريق الإيماء على زيادة الألف والنون.

والمثال الثاني: ما حكاه غير واحد أن الفرزدق حضر مجلس عبد الله بن أبي إسحاق، وكان عبد الله أعلم أهل البصرة وأعقلهم، وفرَّع النحو وقاسه، سُئل عنه يونس فقال: "هو والنحو سواء" فقال ابن أبي إسحاق للفرزدق: "كيف تنشد هذا البيت:

وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر

فقال الفرزدق: كذا أُنشد أي: كما أنشدته أنت كذلك أنشده أنا، أي: برفع فعولان، فقال ابن أبي إسحاق: ما كان عليك لو قلت: فعولين يعني: بالنصب

<<  <   >  >>