للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تناول هذه الموضوعاتِ كلها في مواضعَ متفرقة لا يجمعها نسق واحد؛ لأن الكتاب عرض للبيان العربي شعره ونثره، وعرض للبلغاء من شعراء وكتاب وخطباء، وكانت الخطابة تجيء مفرقةً هنا وهناك؛ لأن الجاحظ لا يعدو هذا المسلك في مؤلفاته.

ولم يكد يمضي على كتاب الجاحظ نصف قرن حتى ظهر كتاب (نقد النثر) الذي تناول الخطابة في أحد فصوله.

هذا؛ وقد نظر العرب إلى حالهم ومنازعتهم؛ فوضعوا نظامًا يكفل الأمن ويقلل الصراع؛ وكأن هذا النظام نفسه سبب لازدهار الخطابة العربية وتنوع أغراضها. وفحوى هذا النظام: أقاموا أسواقًا تدور مع أيام السنة في جميع أماكن الجزيرة؛ وحتى يحققوا أكبر فائدة من هذه الأسواق جعلوها مكانًا للكسب المادي وتقوية للشعور القوي القومي، ودفعًا للتسابق الأدبي واللغوي والعقلي، وقد اختاروا لهذه الأسواق الأشهر الحرم؛ حتى يضمنوا لأنفسهم الحركة الآمنة والقول الجريء والنقد الحر؛ وأقاموها في سائر أنحاء الجزيرة؛ لكي يشترك الجميع فيها؛ حتى يحققوا أكبر الفائدة منها.

ومن أقدم الخطباء المشهورين: كعب بن لُؤي الجد السابع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد كان يخطب العرب في الشئون المختلفة، ويحث كِنانة على البر وأعمال الخير، وكان مهيبًا مسموعَ الكلمة، ولما مات أكبروا موتَه وأرخوا به، وظلوا يتخذونه تاريخًا حتى عام الفيل؛ فأرخوا به حتى كانت الهجرة النبوية؛ فاتخذها عمر بن الخطاب مبدأً لتاريخ المسلمين. ومن مشهوريهم بعد ذلك: قيس بن خارجة بن سنان: خطيب داحس والغبراء، وكذلك أكثم بن صيفى، والحارث بن عياد، وقيس بن مسعود، وغيرهم.

<<  <   >  >>