للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد أثار الإمام النووي هنا إشكالًا وجوابه، فقال: "قد يقال: كيف تأخر أبو سعيد -رضي الله عنه- عن إنكار هذا المنكر حتى سبقه إليه هذا الرجل؟ وجوابه أنه يُحتمل أن أبا سعيد لم يكن حاضرًا أول ما شرع مروان في أسباب تقديم الخطبة، فأنكر عليه الرجل، ثم دخل أبو سعيد وهِما في الكلام. ويحتمل أن أبا سعيد كان حاضرًا من الأول، ولكنه خاف على نفسه أو غيره حصول فتنة بسبب إنكاره، فسقط عنه الإنكار، ولم يَخف ذلك الرجل شيئًا لاعتضاده بظهور عشيرته أو غير ذلك، أو أنه خاف وخاطر بنفسه، وذلك جائز في مثل هذا، بل مستحب، ويحتمل أن أبا سعيد هَم بالإنكار فبدره الرجل فعضده أبو سعيد. والله أعلم".

وهذه الاحتمالات التي ساقها النووي جوابًا عن الإشكال، لا تتفق وما رواه مسلم في باب العيدين، فقد روى عن أبي سعيد ((أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر، فيبدأ بالصلاة، فإذا صلى صلاته وسلم قام فأقبل على الناس، وهم جلوس في مصلاهم، فإن كانت له حاجة ببعثٍ ذكره للناس، أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها، وكان يقول: تصدقوا تصدقوا تصدقوا، وكان أكثر مَن يتصدق مِن النساء ثم ينصرف)). فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم، فخرجتُ مخاصرًا مروان، أي: يده في يده، حتى أتينا المصلى.

فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبرًا من طين ولبن، فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحوه نحو المنبر، وأنا أجره نحو الصلاة، فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصلاة؟ فقال: لا يا أبا سعيد، قد ترك ما تعلم قلت: كلا -والذي نفسي بيده- لا تأتونا بخير مما أعلم، ثلاث مرار، ثم انصرف.

فهذا الحديث يُبْعد تأخر أبي سعيد في الإنكار عن الرجل، ويبعد أن يكون قد سكت خوفًا على نفسه في الوقت الذي لم يخف فيه الرجل، أو خاف وخاطر،

<<  <   >  >>