للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة:

بعدما تزوج محمد -صلى الله عليه وسلم- من خديجة -رضي الله عنها- لم يعد محتاجًا لمال يسعى لتحصيله، أو ينشغل في العمل من أجل كسبه، فلقد أغناه الله بمال خديجة -رضي الله عنها- وأغناه كذلك برضا النفس، وهدوء البال، وأغناه بالميل نحو التأمل والتفكير، لذلك نراه -صلى الله عليه وسلم- يبدأ حياة التأمل، ويتفرغ للتحنث، بعيدًا عن صخب الحياة وضجيج العمل.

وفي فترة ما قبل البعثة عاش محمد -صلى الله عليه وسلم- وعاش العالم كله مقدمات البعثة، والتي منها كثرة المبشرات.

تمتلئ كتب السيرة والتاريخ بالمبشرات الكونية والإنسانية، التي أشارت إلى قرب ظهور نبي في بلاد العرب، يُبعث للعالم كله لنشر العدل وتحقيق الأمن والسلام، وقد أتت أغلب هذه المبشرات من أحبار اليهود ورهبان النصارى، وكهان العرب.

إن مبشرات أهل الكتاب -من اليهود والنصارى- هي مبشرات صحيحة؛ لشهادة القرآن الكريم، حيث بيَّن الله تعالى بصورة قاطعة معرفة الأحبار والرهبان برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- وتحديد مواصفاته، ومكان ظهوره، وطبيعة رسالته العالمية. يقول الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة: ١٤٦).

ودلالة الآية صريحة في أن أهل الكتاب -وهم اليهود والنصارى- يعرفون محمدًا ورسالته معرفة تفصيلية، ومع ذلك فقد جحد فريق منهم نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- وكتم ما يعرفه.

وإنما شبه معرفتهم له -صلى الله عليه وسلم- بمعرفتهم بأبنائهم، ولم يشبهه بمعرفتهم بأنفسهم؛ لأن الوالد يعرف ابنه في كل وقت وفي كل حال، وقد يغفل عن نفسه أحيانًا.

<<  <   >  >>