للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتأملون ويتدبرون، فيعلمون أن لهذا الكون إله؛ فبهذا كان العرب قديمًا يستدلون على الله -سبحانه وتعالى- حتى قيل لبعضهم: بم عرفت ربك؟ فقال: إن البعر يدل على البعير، وإن الأثر يدل على المسير؛ فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج؛ أفلا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير.

وأما الاستدلال بالفطرة والحس على جود الله -عز وجل-: فإن كل إنسان إذا نزلت به نازلة وعجز عن دفعها، وجد نفسه مندفعًا إلى النداء والاستغاثة بالله وحده دون سواه؛ فيقول مضطرًا: يا الله يا الله؛ فإذا به يجاب إلى ما سأل، فيكشف عنه ما سأل كشفه، أو يعطى ما طلبه. وهذا شيء محسوس ومجرب دعت إليه الفطرة التي فطر الناس عليها، وهو دليل على وجود الله السميع البصير، اللطيف الخبير وفي ذلك يقول ربنا سبحانه: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (النمل: ٦٢).

أما المرتبة الثانية من مراتب الإيمان بالله -عز وجل- فهي: الإيمان بربوبيته -سبحانه وتعالى-:

ومعنى الإيمان بالربوبية: الإيمان بأن الله وحده هو الخالق الرازق المحي المميت مالك الملك ومدبر الأمر كما قال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} (الملك: ١) وقال -عز وجل-: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (يس: ٨٣) وقال سبحانه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (آل عمران: ٢٦، ٢٧).

فالله سبحانه وحده هو خالق الخلق، ومالك الملك لا خالق غيره، ولا مالك سواه، وهو -سبحانه وتعالى- هو الذي يُدبر أمر كل شيء فما شاء كان، وإن لم يشأ العباد،

<<  <   >  >>