للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتأمل أخي الداعية أيضًا شجاعة هود -عليه السلام- وهو يواجه قومه ويتحداهم بعد أن هد ّ دوه بأنهم يخافون عليه من آلهتهم أن تصيبهم بسوء إن لم تكن قد أصابته {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} (هود: ٥٤) فماذا كان جوابه -عليه السلام- قال: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِي * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} (هود: ٥٤ - ٥٧)

وإن الإنسان ليدهش لرجل فرد يواجه قومًا غلاظ ًا شداد ًا حمقى يبلغ بهم الجهل أن يعتقد أن هذه المعبودات الزائفة تمس ّ رجل ًا فيهذي، ويرى في الدعوة إلى الله الواحد هذيان ًا من أثر المس، إن الإنسان ليدهش لرجل يواجه هؤلاء القوم الواثقين بآلهتهم المفترا ة هذه الثقة فيسفهم عقيدتهم، ويقرعهم عليهم، ويؤنبهم، ثم يهيج ضر اوتهم بالتحدي لا يطلب مهلة ليستعد استعدادهم، ولا يدعهم يتريثون فيفتر غضبهم.

إن الإنسان ليدهش لرجل فرد يقتحم هذا الاقتحام على قوم غلاظ شداد، ولكن الدهشة تزول عندما يتدبر العوامل والأسباب إنه الإيمان والثقة، والاطمئنان. الإيمان بالله، والثقة بوعده، وال اطمئنان إلى نصره، الإيمان الذي ي ُ خالط القلب فإذا وعد الله بالنصر حقيقة ملموسة في هذا القلب لا يشك فيها لحظة؛ لأنها ملء يديه وملء قلبه الذي بين جنبيه، وليست وعد ً اللمستقبل في ضمير الغيب؛ إنما هي حاضر واقع تتمل َّ اه العين والقلب، ولم تكن هذه الشجاعة قاصرة على فرد أو فردين من أنبياء الله ورسله، ولكنها كانت خ ُ ل ُ ق جميع الأنبياء والمرسلين كما

<<  <   >  >>