للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك في يوم الخميس خامس عشر شعبان سنة ست وسبعين وأربعمئة، وبرز في حقه توقيع شريف من إنشاء أبي سعد بن موصلايا، ومدحه الشعراء، فأمرَ ونهى، وأحكم وأمضى، ولم يزل على ذلك إلى أن عزل في يوم الخميس تاسع عشر شهر ربيع الأول من سنة أربع وثمانين وأربعمئة، وخرج إليه توقيع من الخليفة: " اققتضى الرأي الشريف بأن تنفصل عن الخدمة بالديوان العزيز، فالزم دارك، والعناية تشملك على حالتي القرب والبعد، والله المعزّ ". وكان الحامل للتوقيع أبو سعد بن الحُصين، حاجب المخزن ونجم الدولة ضفر الخادم؛ فلما قرأ التوقيع بعزله، انصرف وهو ينشد في حالة انصرافه: وافر:

تولاّها وليس له عدوٌّ ... وفارَقها وليس له صديق

وكانت أيامه أنضر الأيام وأوفاها سعادة للدولتين، وأعظمها بركة على الرعية، وأعمّها أمناً وأشملها رخصاً، وأكملها صحة، وقامت للخلافة في نظره من الحشمة والاحترام ما أعادت سالف الأيام؛ ولمّا كان يوم ثاني عزله، خرج من داره إلى المسجد الجامع لصلاة الجمعة متلفعاً برداء من قطن، فانثالت عليه الرعية تصافحه وتصفه، وتتندم على صرفه، وإبعاده عن النظر في مصالحه، ومشى حوله جماعة من أهل الزهد والخير، فبلغ ذلك الخليفة، وقيل له: إنما فعل ذلك شناعة على الدولة! فتقدم إليه بلزوم داره وألا يخرج عنها، وأنكر من مشى معه، فلزم داره وبنى بدهليزاً محراباً، وكان يؤذن بنفسه ويصلي هناك، وبعد مدة خرج إلى روذرَاوَر، بلده وموطنه قديماً، ثم استأذن في الحج، فحجّ وجاور عند قبر النبي - (- إلى أن توفي بالمدينة - يثرب - في جوار رسول الله - (- في جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة،

<<  <   >  >>