للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلامي وَداعٌ والوَداع سلام ... أما آن أن يقضى لديك ذِمامُ؟

أيا ربَّة البيت المهان نزيله ... إذا عزَّ عند الأكرمين كِرامُ

ثم اتفقت له فيئة نحو الحجاز، ولم تطل أيامه بها حتى أخذ في السفر، وصار خدعة الحضر، يُنجد ويُتهم، ويُعرق ويُشئم، ويُصحر ويُبحر، ويُدلج ويُسحر، وذكره يسير أمامه فيوري زناده، وفضله يطلع معه فيبسط له مهادَه، حتى نوّر غصن عمره، وعَلا غُبار وقائع دهره، فورد خراسان، وانحاز إلى الوزير علي بن شاذان، ولم تطب أيامه عنده، فامتد منها إلى غَزْنَة: وذلك في سنة ست وأربعين وأربعمئة، وأقام بها إلى حين وفاته. كتب إليّ أبو الضياء الشذباني، أنبأنا السمعاني في كتابه قال: وذكر صديقنا أبو العلاء محمد بن محمود القاضي الغزنوي - رحمه الله - قال: قرأت بخطّ محمد بن إبراهيم الأسدي المكي أنه لما صار مع رفقائه إلى أبي سهل الجنبُذي، وهو إذ ذاك زمام الملك وإمام الديوان، تحفَّى به وتلطف له، وأخذ يسأله عن أهل البادية، ومن بلغ إلى قرض الشعر منهم، وكان يستنشده ملح أشعارهم، ويتعرفه لمح أخبارهم، حتى ذكر: أنه بلغني ذكر فتى من بني أسد يقال له محمد بن إبراهيم، ثم أنشدت قوله: طويل:

تقضَّى الصبى عني وولَّت شبيبتي ... وأنفضتُ والطاوي المراحل ينفضُ

وما هذه الأيام إلاّ مراحل ... وما الناس إلا راحلٌ فمقوِّضُ

كأنّ الفتى يبني أوان شَبابِه ... ويهدم في حال المشيب وينقُضُ

فلا لحمَ إلاّ وهو منه مُرَهَّلُ ... ولا عظم إلا وهو منه مُرَضضُ

فتبسم في وجهه وقال: إنه وافدك المسلم ببابك، المنيخ في جنابك، وواجهه بقصيدته الفريدة التي مطلعها: وافر:

ديار الحيّ أبن هم قطون؟ ... أنعمانُ الأراك أم الحَجون؟

<<  <   >  >>